خرجت
إيران بموقف ملفت للانتباه في الوضوح والصراحة حيال التطورات في سورية، فحقيقة
الموقف وتلميحاته ليست بالجديدة. فقد أعلن حسين أمير عبداللهيان نائب وزير
الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية أنَّ سقوط نظام الرئيس السوري بشار
الأسد سيكون خطراً على أمن إسرائيل، فقال: «ﺇﺫﺍ
ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻒ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻘﻮﺩﻩ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺿﺪ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺗﻐﻴﻴﺮﺍﻟﻨﻈﺎﻡ
ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ، ﻓﺈﻥ ﺃﻣﻦ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺳﻴﻨﺘﻬﻲ»([1]).
وأكد من غير حياء أو خجل أنَّ بلاده قد أعلمت الغرب بذۤلكَ...
على أساس أو افتراض أنَّ الغرب لا يعرف ذۤلكَ.
ونقلت
وسائل إعلام إيرانية رسمية عن عبداللهيان قوله أمس السبت، إن بلاده قد تبادلت
الرسائل مع أميركا حول الصراع الدائر مع تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق. معترفاً بالتنسيق الذي ما
فتئت أمريكا وغيران تنكرانه. تنكرانه لما كشفت عنه من أسباب في مقالات أخرى سابقة،
مع تحليلات أخرى مختلفة حول الموضوع برمته لم تلق ما تستحق من الاهتمام، مثلما
ستنتهي زوبعة تصريحات عبداللهيان بعد أيام وكأن شيئاً لم يكن.
على أي حال، أضحكني ﺣﺴﻴﻦ
ﺃﻣﻴﺮ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻬﻴﺎﻥ في هٰذا التصريح إضحاكاً مربكاً للحنك بسبب تعاكس التجاذبات ما
بَيْنَ الاتجاهات. فهو في التصريح ذاته الذي أكد فيه أن سقوط بشار الأسد سيهدد أمن
إسرائيل ويؤدي إلى فنائها، مع ما يترتب على ذۤلكَ من تحليلات تدور في حلقة واحدة
لا تخرج عنها هي أن إسرائيل تحمي نظام بشار الأسد، وحريصة على عدم سقوطه، وأن نظام
الأسد حامي حمى إسرائيل بطريقة أو بأخرى... مع هٰذا الوضوح في ذۤلكَ سرعان ما
يتابع الأسطوانة المحفوظة عن ظهر قلب ويكررها تكرار اكسري بيضة فقال: «إﻥ ﻃﻬﺮﺍﻥ ﻟﻦ
ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻺﺭﻫﺎﺑﻴﻴﻦ ﺑﺈﺳﻘﺎﻁ ﺃﺣﺪ ﺣﻠﻔﺎﺋﻬﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺟﺒﻬﺔ
ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ».
أن يكون التناقض الصارخ بهٰذه الطريقة صادراً عن
الشخص ذاته ولو على أزمنة متباعدة فهٰذا أمر لا يطاق ولا يقبل ولا يعقل... النقاد سيقولون: اختل عقل الرجل... انحرف عن
مساره... ولٰكنَّ أن يكون هٰذا التناقض الصارخ الصريح الواضح في التصريح ذاته:
النظام السوري يحمي إسرائيل، والتظام السوري مقاوم لإسرائيل!!! فهٰذا ما لا يمكن
تصديقه بحال من الأحوال. هو ليس الأول من نوعه من مسؤول إيراني أو مسؤول سوري صاحب
قرار. فكلنا يذكر تصريحات رامي مخلوف في واشنطن مع الأيام الأولى من الثورة
السورية إذ صرح في مؤتمر صحافي هناك قائلاً: «إن أمن سوريا من أمن إسرائيل وأمن
إسرائيل من أمن سوريا»، وتنكر النظام السوري لهٰذا التصريح واعتبره غير مسؤول، ولا
يمثل السلطة، وهٰذا محض ادعاء. فالإعلام السوري وقع في هٰذا النصريح غير مرَّة،
ومنها لقاء مع شخص على انه محلل سياسي قال بالحرف الواحد: «إذا سقط النظام في
سوريا فإسرائيل ستسقط خلال سنوات... الإرهابيون يريدون تحرير فلسطين!!!!»([2]).
بالعودة إلى عبداللهيان تابع في تصريحه بالتهجم على
تركيا. الهجوم على تركيا ليس من قبل إيران وحدها وإنما من قبل الدول العربية
الأمريكية ولٰكنَّ لأسباب مختلفة. عبداللهيان وإيران شنا حملة واسعة النطاق على
تركيا عندما اشترطت إسقاط بشار الأسد للمشاكرة في التحالف الدولي، وقبل ذۤلكَ
أصلاً يوجد تنافس ظاهر وصراع مخفي. الطريف حسب عبداللهيان أنَّ إيران
تحارب تركيا وتحرض أمريكا عليها لأنها تسعى إلى العثمانية الجديدة، على أساس أن
إيران لا تسعى إلى الصفوية بأيديها وأرجها ولسانها وأسنانها، وعلى أساس أنَّها لم
تصرح أكثر من مرَّةٍ بأنها سيدة البحر المتوسط والبحر الأحمر، وبالطريق بحر العرب
والخليج العربي الذي تسميه الخليج الفارسي!!!!
تصريح عبد
اللهيان نقلته كالة الأنباء الإيرانية وتدولته وسائل الإعلام الإيرانية وغيرها يوم
السبت الماضي. وهٰذا اليوم الثالث يمر
وينصرم من دون أن يصدر أي تصريح أو تلميح أو توضيح عن أي مسؤول سوري تجاه الموضوع.
الاحتفاظ بحقِّ
التَّصريح محفوظ مثل الاحتفاظ بحقِّ الرد. فهٰذه ليست المرة الأولى التي يتعرض
النظام السوري فيها لصفعة تمرغ كرامته بالتراب من قبل إيران ولا أتحدث عن غيرها.
فقبل سنتين أعلن المعمم الشيعي مهدي طائب، «أن سوريا محافظة إيرانية»([3])...
وبشار الأسد بالضرورة محافظ إيراني على سوريا. ومع ذۤلكَ لم يصدر حَتَّى هٰذه
اللحظة أي اعتراض أو احتجاج، بل إن المحلل السياسي الإيراني محمد صادق الحسيني قال
إنَّ بشار الأسد كان يقول لمهنئيه على فوزه بالرئاسة: «التهنئة يجب أن تكون لإيران
لأنها سبب بقائي». نقطة انتهى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق