مع كركبة فريق المراقبين العرب برئاسة
الدابي في أواخر عام 2011م، بدا أن المجتمع العربي والدولي غير آبه بما يحدث في
سوريا. غير آبهٍ بأكثر من معنى:
أولها أنَّهُ غير معني بما يحدث ولذۤلك
بدا نفس الاستهتار.
ثانيها انعدام الإحساس والتفكير بعيد
المدى في ظل وجود السوريين في فوهة بركان.
ثالثها بناء على ثانيها إدارك الجميع بيقين
أن الأزمة ستطول وعدم اعتراض أحد على ذۤلكَ.
رابعها سرور معظم الأطراف الخارجية لهٰذا
التصور وتأييده وتوجيه كل المسارات في الجهة التي تخدمه.
ولذۤلك، منذ ذۤلكَ الشهر الأخير من عام
2011م، أي بعد نحو ثمانية أشهر من الثورة، تغير الخاطب الدولي كله تجاه النظام
والثورة، وتغير السلوك، وبدأت البرمجة على أساس امتداد الثورة سنوات. لا أدري من
أدرك ذۤلكَ، ولٰكنَّ أحداً لم يرد أن يدركه. كتبت هٰذا الكلام في ذۤلكَ الحين.
وتتالت التصريحات التي توحي بهٰذه الاستراتيجيا الجديد للمجتمع الدولي. ففي حين
الناس تغلي على فوهة البركان كان وزير الخارجية الفرنسي يعد لاجتماع بعد ستة أشهر،
وأعضاء مجلس يدعون لاجتماع بعد ثلاثة أشهر...
تحولت التسمية رويداً رويداً من ثورة
إلى أزمة، ثمَّ إلى صراع... ومن تهديد للأسد بالخروج من سوريا، إلى حتمية سقوط
النظام، إلى استحالة الحسم العسكري، إلى حتمية الحل السياسي، وصولاً إلى وجوب بقاء
الأسد من دون النظام، ثمَّ إلى احتمال بقاء الأسد والنظام! ورُبَّما هٰذا ما قصده الأمين
العام للأمم المتحدة بان كي مون منذ دقائق إذا قال: القضاء على الدولة الإسلامية
لا يمكن أن يكون إلا بحل سياسي مدروس ويرضي جميع الأطراف!!
هٰذه خلاصة السيروة التي تعامل بها
المجتمع العربي والدولي مع الثورة السورية. الحقيقة أن هناك الكثير من التفاصيل بَيْنَ
هٰذه الأثناء تحدثنا فيها في مواضع كثيرة. المهم الآن أنَّ سياسة اللعب على الطويل
ما زالت مستمرة.
قبل أسابيع أعلن أوباما أنَّهُ قد
يتفرغ للحل السياسي السوري بعد ثلاث سنوات من الآن هي السنوات اللازمة تقريباً
لوضح حدٍّ للدولة الإسلامية. وترافق ذۤلكَ مع حيرة في معرفة كيفية التعامل مع
الثورة السورية. هي ليست حيرة في حقيقة الأمر، هي إلقاء للكرة إلى الأمام، وتخطيط
واستراتيجيا مدروسة من الناحية الأمريكية والأنظمة التي تسير في ركابها.
اليوم 16/10/2014م، أعلن طوني بلنكن،
نائب مستشارة الأمن اقومي الأمريكي أن أمريكا ستبدأ بتدريب الجيش الحر في بداية
العام الجديد، أي بعد نحو ثلاثة أشهر. وأي بني آدم يسمع هٰذا الكلام سيسأل: لماذا هٰذا
التأخير؟ أيعقل أن الجيش الأمريكي لا يعرف كيف يدرب، ويحتاج إلى دورات في التدريب
على التدريب حَتَّى يقوم بالتدريب؟ من يسمع هٰذا الكلام يظن أن الجيش الأمريكي الذي سيدرب الجيش
الحر يعمل في صيد السمك وفجأة طلبوا منه تدريب العسكر على القتال، ولذۤلك يحتاج
إلى فترة تحضير!! ما هٰذة السخافة؟
هٰذه ليست السخافة الوحيدة في الموضوع،
السخافة التي ما بعدها سخافة ولا قبلها سخافة أن أمريكا تردد منذ ثلاث سنوات أنَّها
تدرب أو ستدرب الجيش الحر!!! فعلى ماذا يدربونه حَتَّى يحتاج كل هٰذا الوقت من
التفكير والتدبير والتحضير والتدريب ذاته؟!! أي عسكري في العالم لا يحتاج أكثر من شهر تدريب على أي نوع
من السلاح حَتَّى ولو كان حرب النجوم.
جاء هٰذا التصريح بعد اجتماع الثلاثاء
الماضي لقادة عشرين دولة من التحالف الدولي للقضاء على الدولة الإسلامية للبحث في
كيفية التعامل مع الموضوع، الذي تحدثنا فيه في مقال خاص، وانتهى الاجتماع إلى
تفويض خمس دول على راسها أمريكا، وانتهى قادة الدول الخمس إلى قرار كوميدي هو
الاتفاق على وجوب تدريب أبناء المنطقة على محاربة الدولة الإسلامية!! هٰذا القرار مرتهن
بفلسفة التحالف التي أطلنا فيها أيضاً في حينها، وهي قيادة أبناء المنطقة من الخلف
للاقتتل فيما بينهم من دون خسارة قطرة دم منهم. طبعاً هٰذا لا يمنع التورط إذا
اقتضت الضرورة.
إذن، تصريح طوني بلنكن هٰذا الذي أدلى
به على قناة العربية ظهر اليوم ليس مصادفة ولا توقعاً ولا ارتجالاً، إنه معطيات تم
توزيعها ونشرها على ذوي الشأن، مثل العادة طبعاً، وعلى هٰذا الأساس صرَّح به أمس رئيس
الحكومة الانتقالية (الثورية) أحمد طعمة إذا قال: المنطقة العازلة التي طالبت بها
تركيا سيتم وضعها قيد التنفيذ بعد أربعة أشهر. وهٰذا لن يتم أيضاً، إنها الكذبة
الألف التي كذبها الأمريكا بشأن الثورة السورية وبلعها قادة الثورة للمرة الألف أيضاً،
أي إنهم ليسوا على شيء من العقل ولا الإيمان، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وقد
لدغوا ألف مرة من الجحر ذاته. وما المؤمن بالخب ولا الخب يخدعه، وقد خدعوا
بالطريقة ذاتها أكثر من ألف مرة!!!
من هٰذه النقطة الختامية أختم بها كلامي.
المشكلة ليست في المجتمع الدولي، المشكلة في الثورة السورية. المجتمع الدولي مصالح
وكذب وخداع وتضليل من أجل تمرير مصالحهم. وهٰذا حقهم. ومن ثمَّ ليست المشكلة فيهم،
المشكلة بالثورة السورية التي تقاد من مساطيل مهابيل، ولصوص، وأصحاب مصالح شخصية...
وما أقل وأندر الصادقين الشرفاء فيمن يقودون الثورة السورية على مختلف الأصعدة
والمستويات والميادين: العسكرية، السياسية، الثورية، الإغاثية، الطبية، الإعلامية...
وكل ما يخطر في بالكم. هٰذه حقيقة يجب أن تكون واضحة للجميع حَتَّى نعرف لماذا لم
تنتصر الثورة السورية إلى الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق