آخر فتوقات الإدارة الأمريكية فيما يخص
الأزمة السورية هي تفكير أوباما والإدارة الأوبامية في نشر قوات عربية في سوريا.
أي بمعنى أو بآخر على غرار نشر القوات السورية في لبنان منذ عام 1976م إلى أن تم خروجها
بضغط أمريكي فرنسي على إثر اغتيال رفيق الحريري عام 2005م.
ولٰكن كيف يمكن أن تنتشر قوات عربية أو
حَتَّى غير عربية في سوريا؟
لبنا لا دولة ولا جيش ومساحة صغيرة كان
أمراً سهلاً نشر قوات الردع العربية فيها بقيادة سوريا التي أخرجت والجميع وبقيت
وحدها. وسوريا ليست مشابهة للبنان بحال من الأحوال، ولا يمكن أبداً أن تنتشر فيها
أي قوات في أي إلا باستثناءات محدودة جداً، ولن تكون آمنى في مكان من الأمكنة
السورية أبداً. فما العمل؟
حَتَّى يتم نشر قوات عربيَّة في سوريا،
ويصح على غيرها الحكم، لا بُدَّ من تهشيم العقل السوري، والبنى السورية كلها لتصل
إلى مستوى من الهشاشة والضعف والضياع والتشتت مماثلاً للحالة اللبنانية حينها حَتَّى
يمكن تحقيق الهدف. أمريكا وقواد العرب يدركون هٰذه الحقيقة إدراكاً صريحاً لا لبس
فيه. وهٰذا يعني باختصار شديد أن الإدارة الأمريكية تريد إطالة الأزمة السورية وعمر
النظام أكثر من عشر سنوات حَتَّى يمكن يتم صنع الظروف المناسبة لانتشار هٰذه القوات
العربية في سوريا...
يبدو أن الأمر ليس مزحة، ويبدو أن هٰذا
ما كان يدرو في رؤوس الموساديين في إسرائيل وأمريكا منذ بدايات الثورة السورية،
ومسار السيطرة على الجيش الحر خطوة تلو خطوة من قبل بعض الأنظمة العربية كان من
أجل الوصول إلى هٰذه النقطة في حال تعذر بقاء الأسد أو نظامه رأساً للسلطة في
سوريا. يبدو الآن أنَّ أمريكا أيقنت باستحالة بقاء بشار الأسد ونظامه في سوريا ولذۤلك
أجربت من قبعة الساحر اقتراحها أو مشروعها الذي تريد القول إنه جديد وهو قديم في
حقيقة الأمر؛ هٰذا الاقتراح أو المشروع الذي يدعو إلى نشر قوات عربية في سوريا.
طبعاً لا نحتاج إلى معجزة حَتَّى ندرك أن انتشار قوات عربية في سوريا يعني من دون
شك قيادتها من قبل الموساد والسي آي إي، لأنَّ أمريكا وإسرائيل لن تقبل أن يتم شيء
في سوريا ليس بإشرافها وعلى عينها المباشرة.
الوصول إلى هٰذه النقطة لن يستغرق أقل
من عشر سنوات بحال من الأحوال. وإذا راجعنا تصريحات المسؤولين الأمريكيين وبعض
قادة شركاء أمريكا العرب الكبار في موضوع محاربة الدولة الإسلامية التي توافقت في
المحصلة على احتياجها إلى هشر سنوات على الأقل للقضاء على الدولة الإسلامية عرفنا
لماذا كانت هٰذه التصريحات... عشرون ألف جندي للدولة الإسلامية تجتمع عليهم ستون
دولة ويحتاجون إلى عشر سنوات؟! من الذي يمكن أن يقتنع بذۤلكَ. إنها اللعبة التي
تديرها أمريكا بعناية وتخطيط.
ولٰكنَّ هل ستنجح أمريكا وشركاؤها
العرب في إيصال سوريا إلى هٰذه النقطة التي تسمح بانتشار الجيوش العربية الإسرائيلية
على أرض سوريا؟
أنا شخصيًّا أشك في ذۤلكَ. أعني أنهم بعد
أكثر من عشر سنوات لن يستطيعوا تحقيق مشروعهم هٰذا إذا ساروا فيهم، ولا يستبعد
أنهم سائرون فيه وجادون فيه. ستمضي السنوات العشر وأكثر وسيجدون أن هٰذا المشروع
غير قابل للتنفيذ، وإن جرت بعض الخطوات التجريبية أو الاستثنائية، وهي موجود على
الأرض منذ فترة أصلاً، مع وجود مخابرات مختلف دول العالم على الأرض السورية اليوم.
ولٰكنَّ نشر الجيوش بالطريقة المنشودة لن يكون. فماذا سيحدث؟
أمريكا والغرب والأنظمة العربية غير مستعجلين
على شيء، فلا هم يألمون، ولا هم يتشردون، ولا هم يموتون... ولا هم يشعرون، ولا هم يحزنون...
يمكن أن يفكروا في مشاريع أخرى حينها، وغالباً ستكون هناك خطط بديلة عند تأكدهم من
تعذر تحقيق هٰذه الخطة.
ولٰكنَّ السؤال الجديد بالطرح: هل
ستستمر الأزمة على هٰذا النحو عشر سنوات؟
بعيداً من التفاؤل والتشاؤم: السوريون
هم من يقرر ذۤلكَ... إذا استمرت قيادات الثورة بهٰذه البلاهة... بل إذا بقيت هٰذه القيادات
ذاتها هي التي تقوم بقيادة الثورة فإنَّ الأزمة والمعاناة ستستمر عشر سنوات
وأكثر... وستكون المعاناة أشد وأكبر. إذا لم يقم السوريون سريعاً بالثورة على
ثورتهم وتشكيل قيادة جديدة جادة جدية مسؤولة قادرة ولها التفويض الشامل فإنَّ
الأزمة السورية ستظل تدور في هٰذه الحلقات المفرغة من التقدم والترجع والخضوع
للأجندات الخارجية العربية والدولية التي لا تريد الخير لسوريا ولا للثورة.
الحقيقة التي يجب أن يدركها السوريون
أن كل يوم يمر من دون إجراء مناسب سيكون وبالاً مضاعفاً عليهم، وسيكون من يمكن حله
اليوم متعذر الحل غداً. هٰذا ما كنت أكرره منذ ثلاث سنوات: ما يمكن فعله اليوم لا
يمكن فعله غداً، الخيار الموجود أمام الثورة اليوم سيتبخر غداً... اليوم يمكن
المفاضلة بَيْنَ عدة خيارات ولٰكنَّ كلَّ غدٍ يأتي سيأكل نصف الخيارات... وسنجد
الثورة يوماً بلا خيارات... أمامها مسار واحد يجب عليها أن تسير فيها، ولا ندري
إلى أين يقودنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق