بداءة، وحَتَّى لا يتورط من يعلم ولا يريد أن يقرأ، سأقف عند ثلاث نقاط هي حملة إسقاط الجربا والحملة على داعش أنموذجاً، ومسألة الإعلام المشبوه على ضوء هاتين المسألتين.
في أواخر آذار
2014م بدأت حملة تسمية جمعة إسقاط الجربا. بدأت فجأة وتصاعدت تصاعداً جنونيًّا
هيمن على صفحات التواصل الاجتماعي هيمنة مدهشة خلال أيام قليلة، حَتَّى لم يقترب
يوم الجمعة إلا وكل الثورة السورية تريد إسقاط الجربا، وفجأة انعطف الطلب إلى إسقاط
الإئتلاف بيوم واحد وتغيرت حركة النشاط الثوري السوري بهٰذا الاتجاه، وفجأة سقط
الطلب ولم يسقط الجربا ولم يسقط الإئتلاف. وفجأة مات الطلب!!!
هل تغير
الحربا بساعات؟
هل غير
الجرباً شيئاً حَتَّى ماتت المطالبة بإسقاطه؟
هل اكتشفوا
فجأة أن الجربا لا يصلح للقيادة؟
لا شيء من ذۤلكَ
أبداً.
ولم تكد تمر
أيام حَتَّى اكتشفنا بتسريب تداولته مواقع التواصل الاجتماعي أن شخصاً اسمه لؤي
المقداد يريد شن حملة جديدة باتجاه أمر ما نسيته الآن. ولٰكنَّ أذكر أنَّهُ قال في
حديثه: لدينا فريق فيس بوك مؤلف من خمسين ألف شخص للحملة الإعلامية، هم نفسهم الذي
قادوا الحملة تجاه الجربا... وقال بما أذكره معناه: «شفت كيف غيروا الرأي العام
بأيام؟!».
إذن هناك جوقة
إعلامية جاهزة، قادرة على صنع الرأي العام. خمسين ألفاً من الناشطين قادرين فعلاً
على صنع رأي عام. ولٰكنَّ الطريف أن نكتشف اليوم الحادي عشر من الشهر العاشر 2014م
أن النظام السوري لديه فريق ناشطين بأسماء ثورية بتألف من خمسين ألفاً أيضاً!!
السؤال الذي
يفرض ذاته شئنا أم أبينا هو: هل هو نفسه فريق الثورة؟! أم هي مصادفة تماثل
بالعدد؟!
في الحالين
كليهما نحن أمام مصيبة أكبر من أن تحتمل. في الحالين كليهما نحن أمام صفعة أكبر من
أن تحتمل. فإن كان هو نفسه فريق الثورة فيا لها من ثورة!!! وإن كان غيره فأيضاً يا
لها من ثورة!!!
هٰذا الفريق،
إن كان نفسه، أو كان غيره، هو نفسه الذي قاد الحملة على داعش منذ بدأت الحملة على
داعش إلى الآن تقريباً. أنا لن أدافع عن داعش هنا. ولٰكن لا يمكن أبداً تمرير ما
حدث من دون إلقاء الضوء عليه.
بدأت الحملة
أول ما بدأت بضرورة محاربة داعش لأنها عميلة للنظام. الجوقة السابقة الذاكر شنت حملتها
بكثافة وسيطرت على الرأي العام في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، معتمدة على بعض
الوثائق التي لا ندري من أين جاؤوا بها وتلك مسألة مضحكة.
تبين بعد فترة
أن داعش ليست عميلة للنظام، المعطيات صارت تشير إلى ضعف الاحتمال، فغابت هٰذه التهمة
أياما لتظهر تهمة جديدة بأنها عميلة للمالكي العراقي، وفجأة نسفت داعش هٰذا الاحتمال
عندما خوزقت المالكي خازوقاً قاتلاً... وسقط احتمال أن تكون داعش عميلة للمالكي.
عندما سقطت هٰذه
التهمة برزت تهمة جديدة تقول إن داعش عميلة لإيران وتصاعدت هٰذه الحملة بهدوء
وليترافق معها عودة أنَّها كونها عميلة لإيران فهي عميلة للنظام أيضاً فالنظام
وإيران واحد، فكيف تكون عميلة لإيران ولا تكون عميلة للنظام، ولۤكنَّهَا فجأة
اقتحمت الفرقة 17، واللواء 93 وراحت تتقدم إلى مطار الطبقة الذي سقط سريعاً أيضاً بَيْنَ
أيديها... هنا انفلق، أو انقسم فريق الحملة، فريق يقول النظام سلم داعش هٰذه المواقع،
وفريق راح يبحث عن مخرج، لأن القول بأن النظام سلم هٰذه المواقع لداعش قول يدعو
إلى السخرية مع مشاهد الرؤوس المقطوعة بالمئات، وعدم نجاة أحد... بل بعضهم أوغل
بالاستغباء عندما أكد أن النظام سلم داعش هٰذه المناطق مع أسلحتها بعد أن أخرج
ضباطه الخاصين منها، وتبين أيضاً أن هٰذا الكم أيضاً كذب...
سقطت ذريعة
العمالة لإيران والنظام من جديد سقوطاً مدويًّا، فخرجوا علينا بأن داعش خوارج،
وأضافوا إلى أحاديث النبي أحاديث جديدة تحض على محاربة داعش، ومن قتل داعشيًّا دخل
الجبنة بقتله، ومن قتله داعش فهو شهيدان، شهيدان لا شهيد واحد!!!
كنا نقول
اللهم تقبله شهيداً صرنا نقول اللهم تقبله شهيدين. كنا نقول اللهم اجعله شفيعاً
صرنا نقول اللهم اجعله شفيعين!!!
هراء الافتراء
صريح، يجب القضاء على داعش مهما كانت داعش، حَتَّى ولو كان رسول الله يقاتل معهم.
نقطة انتهى، ولذۤلك كان هٰذا التقلب الذي لم ينته ولم يتوقف، فحتى تهمة أنهم خوارج
راحت تتهاوى ولم تعد مقنعة. هنا خرجت الجوقة بنمط جديد يقول بصراحة ووضوح: حَتَّى لو
حررت داعش بيت المقدس ورفعت راية الإسلام
فوق البيت الأبيض لا نريدها، ويجب أن نحاربها... هٰذا ما انتهت إليه حملة فريق
الخمسين ألف... وانتشر انتشار النار في الهشيم عندما سقطت كل الذرائع أمامهم...
ظل الأمر كذۤلكَ
حَتَّى اجتمعت دول العالم على محاربة الدولة الإسلامية في حرب صريحة على الإسلام،
كشفنا وكشف الكثيرون عن معالمها وجوانبها. ومع ذۤلكَ كله فإن فريق الخمسين ألف لم
ييئس. خرج بذريعة جديدة هي أن داعش عميلة أمريكا، وأمريكا صنعت داعش للتدخل، وهات
تحليلات من هٰذا القبيل كل واحد حسبما تفتقت موهبته. واحد من أجل التدخل في المنطقة،
على أساس أنَّها كانت عاجزة عن التدخل لو لم تكن داعش موجودة، وواحد من أجل توريط
تركيا، على أساس أن تركيا لم تتعرض لأي توريط سابقاً، وواحد من أجل تقسيم المنطقة
على أساس أن أمريكا لو أرادت تقسيم المنطقة فإنها لن تستطيع إذا لم تكن داعش
موجودة... وهلم جرًّا.
تذكروا أن إبليس على درجة من الذكاء والدهاء والقدرات لا تخطر
ببال بشر. ولكنني دائماً أفاجئ بأناس يأتون بتخريجات شيطانية لبعض الأمور يقف
إبليس أمامها حيرانا يلطم خديه ويتعوذ بالله من التفكير البشري الشيطاني.
ومع كل ذۤلكَ، ومع كل هٰذا الوضوح ظلت الجوقة ماشية في حملتها
التي لا تستكين لتشويه داعش بأي طريقة، وما زالت الجوقة تنتقل من ذريعة إلى أخرى
برشاقة عجيبة وكأنها لم تفعل شيئاً فيما قبل، فداعش الآن ليست عميلة للنظام ولۤكنَّهَا
والنظام وهان لعملة واحدة!! ماذا يعني ذۤلكَ؟ أليس عميلة للنظام؟ ليس بالضرورة ولۤكنَّهَا
يجب أن تتم محاربتها. هٰذه هي النتيجة المطلوبة. لماذا؟ لا يهم، المهم محاربتها.
في
الأمس أصدر دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة باسم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي
نداء ومناشدة لتركيا أن تفتح الأبواب للمتطوعين ليجاهدوا ضد داعش!!!! جاءت هٰذه المناشدة
بعد أيام من قرار مجلس الأمن بالعمل على منع الأجانب من الدخول إلى سوريا، طبعاً
الأجانب الذين يقاتلون مع الثورة وليس مع النظام!!!
وتابع ميستورا
قائلاً: «إذا سقطت عين العرب فإن الكثيرين سيقتلون». ماذا لم يتحمسوا هذا الحماس على مدار السنوات الأربع التي قتل فيها
أكثر من ثلاثمئة ألف سوري؟ لماذا صار دخول المتطوعين للدفاع عن كوباني واجباً، في
حين دخول المجاهدين للدفاع عن السوريين خرق للمواثيق الدولية، وتهديد للأمن والسلم
والموازين؟ بل إن ميستورا ذاته تساءل بحرقة وألم قائلاً لتحريض الأكراد واستفزاز تركيا للسماح لهم بالدخول إلى سوريا لمواجهة الدولة الإسلامية: أتريدون أن يرى الأكراد أهلهم يقتلون وهم لا يفعلون شيئاً؟! ويظهر السؤال ذاته: لماذا إذن العرب أن يدخلوا ليدافعوا عن أخوانهم العرب في سوريا؟؟
ومع ذۤلكَ لم تتغير حملة الجوقة التي تقودها قناة العربية
وأورينت على حد سواء. جوقة الخمسين ألفاً بحملتها المكثفة المبرمجة تستقطب الملايين،
والملايين يصبحون مرددين وراءها ببغاوية عجيبة فيربكون الفهم، ويقلبون الآراء
والمواقف، وتستمر حملة التشوه الإعلامي، التي تذكرنا بالمقول الچوبلزية الشهيرة: «اعطني
إعلاماً بلا ضمير أعطيك شعباً من الحمير».
لا
أصدق أن الشعب الوحيد في العالم الذي صدَّر الأباطرة والباباوات والرؤساء ناهيكم
عن مختلف الكفاءات في مختلف الميادين والمستويات... هو اليوم خرقة تتقاذفها الأرجل
ويعبث بها كل من هب ودب!!!
لا
أصدق، لأنهم بيدهم القرار والقدرة، ومع ذلك يرفسون كل قدراتهم وكفاءاتهم من أجل أن
يبقوا ألعوبة بين أيدي أرذال الأرض وفجارها من أعداء سوريا... من أعداء سوريا أكثر
ممن يريد لها الخير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق