من الأمس إلى اليوم تكاثرت التصريحات والمساعي الغربية تكاثراً انشطاريا يفوق سرعة الانشطار في الانفجار النووي في موضوع الخوف على عين العرب / كوباني ودعوة تركيا واستفزازها وتهديدها ووعدها ووعيدها من أجل التدخل ومنع سقوط عين العرب/ كوباني بيد الدولة الإسلامية.
ماذا
جرى؟ ولماذا تجري الأمور بهٰذه الطريقة؟

جيم
بساكي الناطقة باسم الخارجية الأمريكية قال أمس 7/7/2014م إن وزير الخارجية جون
كيري تكلم مرتين أمس مع الجانب التركي من أجل التشاور والتدخل التركي لمنع سقوط
عين العرب/ كوباني بيد الدولة الإسلامية.
وزير
الخارجية منذ أسبوع وأكثر وهو يدعو تركيا من أجل التدخل لمنع سقوط كوباني ويقدم
لها كل يوم نوعاً من الإغراءات جديد.
مبعوثين
أمريكيين زاروا، وغيرهم سيزور تركيا من أجل التدخل ومنع سقوط كوباني.
جو
بايدن نائب الرئيس الأمريكي يقول إن دور تركيا ضروري وأساسي في التحالف لضرب
الدولة الإسلامية ومنع سقوط كوباني بيد
الدولة الإسلامية. علما أنَّهُ هو ذاته قبل توجه الدولة الإسلامية إلى عين العرب/
كوباني قال شخصيًّا: بأن تركيا هي التي تمول الدولة الإسلامية وتدعمها.
وزير
الخارجية الفرنسي اليوم يكرر للمرة الثالثة بأن دور تركيا أساسي ويجب أن تقوم بشيء
من أجل الدفاع عن كوباني، وسيرسل/ أو يزور تركيا للتشاور فيما يجب فعله بشأن أزمة
كوباني.
أمين
عام حلف الناتو (شمال الأطلسي) الجديد ينس ستولتنبرغ الذي طلب تحديد موعد مع وزير
الدفاع التركي من أجل التدخل والدفاع عن كوباني، صرح أمس، وقبل ثلاثة أيام: بأن
الحلف سيتدخل لحماية تركيا وفق معاهدة الحلف. علماً أنَّهُ لم يصدر مثل هٰذا التصريح
على مدار السنوات الأربع الماضية من الثورة السورية على الرَّغْمِ من قيام النظام
السوري بقصف تركيا أكثر من مرة، وأسقط طائرة تركية عسكرية في الأجواء المتاخمة...
على رغم كل ذۤلكَ لم يصدر أي تصريح يدين هٰذا السلوك، ولم يصدر أي فعل، بل فرض الناتو على
تركيا عدم الرد من أجل عدم التصعيد، ومن ثمَّ عدم إحراج الحلف لأن الحلف لن يتدخل.
الاتحاد
الأوروبي على لسان أكثر من مسؤول يدعو تركيا إلى التدخل لوقف تقدم تركيا تجاه
كوباني ومنع سقوطها بيد الدولة الإسلامية...
دي
ميستورا المبعوث الدولي حذر العالم أمس من سقوط كوباني بيد الدولة الإسلامي ودعا
تركيا إلى القيام بمسؤوليتها من أجل الدفاع عن كوباني.
جميع
الأطراف تعد تركيا وتتوعد لها، تغري تركيا وتهددها من أجل التدخل لمنع سقوط كوباني
بيد الدولة الإسلامية، حَتَّى أكراد في سوريا قبل أكراد تركيا منذ ثلاثة أيام في
ثورة عارمة وأعمال شغب وتهديد بإشعال تركيا إذا لم تتدخل لإنفاذ كوباني من يد
الدولة الإسلامية... لاحظوا هنا جيداً أن الأكراد الذين هم في حرب تركيا، ويعدون
تركيا العدو الأول، يتوسلون تركيا ويهددونها معاً من أجل التدخل والدفاع عن كوباني...
مفارقة عجيبة.
هٰذه
المفارقة تزداد عجائبية وغرائبية عندما نعلم أن مثل هٰذه الاجتجاجات الكردية
السورية والكردية التركية لم تظهر أدنى أدنى ظهور على مدار أربع سنوات من المجازر
بحق السوريين في محيط الأكراد خاصة، ناهيك عن كل بقاع سوريا!!!
لماذا
كل هٰذا الفجور؟
لماذا
كل هٰذا التهديد والوعيد؟
لماذا
تحولت عين العرب على ألسنة جميل مسؤولي العالم والإعلام العربي نفسه إلى كوباني،
كوباني فقط؟ وما المقصود من ذۤلكَ؟
داريا التي عثر فيها على إله الحب عند الرومان ايروس،
الموجود في المتحف الوطني بدمشق، وبها مر بولس رسول المسيح تقصف
منذ سنتين وقد دمرت عن بكرة أبيها ولم يرتفع صوت مسيحي ولا غير مسيحي في العالم
لإنقاذها؟ معلولاً التي تحتوي على معالم تاريخيَّة متفردة من الأديرة والكنائس
والممرات الصخرية الأثار المسيحية القديمة المهمة في تاريخ المسيحية منها كنيسة بيزنطية
قديمة وأضرحة بيزنطية منحوتة في الصخر في قلب الجبل، كما يوجد فيها دير مار تقلا
البطريركي ودير مار سركيس... تعرضت لحصار النظام وقصفه ولم يتحرك العالم المسيحي
الذي يتحرك اليوم للدفاع عن كوباني!!
داوود
أوغلو رئيس الوزراء التركي قال قبل أمس: لماذا يطالبنا العالم بالتدخل لندافع عن
كوباني بهٰذه الطريقة الملحة ولم يطالبنا أحد على من قبل سنوات بالتدخل للدفاع عن
العرب؟
الأمر
محير فيما يبدو. هل الدماء العربية رخيصة والكوبانية غالية؟
إطلاقاً
ليس الأمر كذۤلكَ، وليس الأمر أمر حماية أقليات على الإطلاق، وقد بينا ذۤلكَ قبل
قليل، فالمسيحيون والتراث المسيحي العالمي أعز على الغرب من الأكراد ودين الأكراد
الذي هو الإسلام، فلا يغر الأكراد بهٰذا التعاطف الكاذب الخادع. وقد رأينا كيف سكت
الغرب على قتل أوربيين كثيرين على يد النظام ولم ينبس ببنت شفة، وجعل من هروب
المسيحيين من الموصل سبباً للتدخل الدولي. المسألة مسألة الحرب على الإسلام،
وصورته اليوم القضاء على الدولة الإسلامية، الدولة الإسلامية التي لن يقبل بها
الغرب مهما كلف الثمن كما أعلن أوباما قبل شهر ونيف تقريبا بصريح العبارة: «لا
يمكن أن نسمح بقيام الدولة الإسلامي». ولٰكنَّ
أمريكا لا تريد إشعار المسلمين بأنها تحارب الإسلام ولذۤلك تريد أن يقوم المسلمون
أنفسهم بالقضاء على الدولة الإسلامية. المسلمون معظمهم عاجزن عن ذۤلكَ لأسباب كثيرة،
ولا يوجد سوى تركيا وإيران، أمريكا لا تريد تدخل إيران حَتَّى لا تثير مزيداً من
الأحقاد ضدها، فلم يبق إلا تركيا، ولذۤلك كل هٰذه الحملة العربية والغربية من
الإغراءات والمنشطات والمشجعات ومعها المستفزات والتهديدات من أجل توريط تركيا
التي لا أحد غيرها يستطيع القيام بهٰذه المهمة.
ستتصاعد
الحملة حَتَّى آخر نفس في هٰذا الطريق، لأنه إذا لم تتورط تركيا وتقود المعارك
البرية في الحرب ضد الدولة الإسلامية ستضطر أمريكا وحلفها وراءها إلى أحد أمرين:
الأول:
أن تسمح لإيران بقيادة هٰذه المعركة البرية وبهٰذا ستخسر العالمي الإسلامي باحتمالية
عظمى، ستخسر الشعوب الإسلامية بكل تأكيد، مع احتمال تصاعد حملة الكراهية لأمريكا
والغرب واحتمالية كبرى لاستهداف أمريكا والمصالح الأمريكية.
الثاني:
أن تتدخل أمريكا والغرب أنفسهم في المعركة البرية والعودة إلى فوهة بركان المنطقة
من جديد بطريقة أكثر خطورة مما سبق، وما سيجر إليه ذۤلكَ من مصائب على أمريكا
والغرب.
خياران
أحلاهما مرٌّ إذا لم تتورط تركيا بقيادة العمليات البرية ضد الدولة الإسلامية،
وإذا تورطت تركيا في هٰذا المستنقع تكون الدول الإقليمية وأمريكا قد نجحت في أمرين
معا:
أولاهما
القضاء على نجاح تجربة الإسلامي السياسي التركي في قيادة الدولة، ووضع حد للإسلام
السياسي في العالم بعد القضاء على التجربة المصرية ومحاربة الإسلاميين تحت عنوان
الأخوان المسلمين في العالم. ومن ثمَّ إما سقوط حزب العدالة والتنمية جماهيرياً أو
دستورياً أو انقلابياً بانتفاضات شعبية مدروسة كما حدث في أحداث تقسيم.
ثانيهما
تحطيم الصورة الأسطورة التي حققها أردوغان لتركيا في العالم الإسلامي، ورُبَّما تصاعد
موجة عداء كبيرة ضد تركيا في العالم العربي خاصة والإسلامي عامَّةً.
تركيا
تعرف حَتَّى الآن كيف تدير الأزمة من خلال
الشروط المحرجة التي وضعتها أمام الغرب للمشاركة في التحالف الدولي. فهل
ستصمد؟ أم سيضحك عليها الأمريكان مثلما يفعلون بالعادة معها ومع غيرها بوعودهم
الكاذبة الخادعة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق