السبت، 17 مايو 2014

لا رأي لمن لا يطاع

منذ أوائل الثمانينيات وإلى الآن كتبت كثيراً عشرات المرات عن سلبية المبدعين العرب، عن صناعة الأنظمة لهياكل مبدعين، يمارسون دور المبدع؛ المعارض والموالي... وعندما يجد الجد يظهرون على حقيقتهم؛ فقاعات، رجال أمن... ويغدو من السهل علينا إدراك سبب ما نظنه مواقف سلبية للمبدعين العرب تجاه القضايا الجوهرية والحاسمة في حياة الأمة... سبب تخاذلهم وعدم قيامهم بأي فعل أو سلوك ريادي يرقى إلى مستوى الحدث ومستوى مكانتهم التي تراكمت لهم على مدار عشرات السنين...
هي إذن، في حقيقة الأمر، ليست مواقف سلبية، هي مواقفهم الحقيقية؛ مواقف معظم من يبدون في واجهة المشهد الثقافي والإبداعي. قليل ممن هم في واجهة المشهد مبدعون أصلاء بإبداعهم وموافقهم. وأكثر الأصلاء أمثالهم مغيبون عن واجهة المشهد، مهمشون...
حقيقة أن المبدعين هم مثل عليا وقدوة في مجتمعاتهم وعند البشر عامة، هي حقيقة تاريخية قديمة وليست جديدة، ولذد أدركت الأنظمة العربية هذه الحقيقة لذلك عملت منذ الاستقلال عن الاستعمار على حرق المثل العليا وتحطيمها وإفقادها القدرة على تمثيل المجتمع، وإفقاد المجتمع الثقة فيها. ولذلك سارت الجموع خلف الأقوى، خلف من يخيف، خلف من يقدم الرغيف ولو أدى إلى هلاكها، ولم تستمع للمبدعين، ولا للمثقفين...
تحدثنا كثيراً عن سلبية المثقف والمبدع
ولكن من الغباء والحمق القول إن المقفين والمبدعين كلهم كذلك. لقد وجدنا كثيراً من المبدعين الذين غامروا وضحوا ووقفوا في الصفوف الأولى مع شعوبهم في سوريا ومصر واليمن والعراق... وكثير منهم قامات سامقة ورائدة في القراءة والتحليل والإبداع...
إن سلبية قامات كبيرة في مواقفها وسلوكها أمر استدعى النظر في الأسباب وقد وجدنا من حفر في الأساسات وكشف عن الأسباب.
ولكن مهما كانت الأسباب فإن ثمة قضايا كبرى لا تسمح بقبول التبريرات أبداً. التبريرات تكون في القضايا والأحداث الصغيرة والعادية والعابرة... أما في القضايا الحاسمة والمصيرية فلا توجد منطقة وسطى، ولا يوجد حياد... أما الوقوف في وجه تيار الحق الجارف، أقول تيار الحق الجارف وليس التيار الجارف، فهو موقف مسؤول لا يمكن أن يتم تمريره بسهولة.
على أي حال، الواقع والسياق يقتضي تأكيد حقيقة أن المبدع والمثقف لم يكن سلبياً بالمعنى الذي يتم الترويج له. لم يكن عدمياً. هناك مواقف كبرى من كبار وعددهم غير قليل.
لماذا لم تظهر هذه  المواقف؟
لماذا لم تفعل هذه  المواقف؟
إن عجز المبدعين عن القيام بدورهم في كل ما تحمله كلمة دورهم من دلالات وأبعاد ومعان... لا يرتد فقط إلى المبدع، فما أظن إلا أن المبدع أي مبدع لا يترك وسيلة إيصال الرسالة... ولكن صندوق البريد مفقود، لا يريد أن ينفتح، لا يتلقى الراسائل... استخدموا من التعابير ما شئتم لوصف حالة الطلاق بين المبدع والناس.
ولكن كل هذه الأوصاف لا تكفي لإيصال حقيقة أن الجمهور، الناس، الشعب... عاجزين عن التفاعل أي تفاعل مع النشاط الإبداعي الخاص بالمرحلة... عاجزين عن الإصغاء والتلبية... عاجزين عن تجاوز الوجع الراهن، اللحظة الراهنة والنظر إلى الأمام أبعد من أنوفهم. هم يحكمون بما يرون لا بما يعقلون، يحكمون بما يفرض عليهم لا بما يجب أن يفكروا فيه، ينقادون لمن يضحك له أو عليهم ويهربون ممن يسلط أعينهم على الحقيقة فكيف بمن يعنفهم على أخطائهم أو تقصيرهم؟!
المبدع ليس ساحراً يسلب الناس عقولها. المبدع قائد متميز وليس قائداً عادياً، ولكن إن لم تكن أمامه أرضية مناسبة فإنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً. ومن يفوق علي بن أبي طالب علماً وحكمة في زمنه، وقد قال فيه عليه الصلاة والسلام: «أنا مدينة العلم وعلي بابها». وكان من الرجلة والفروسية من كان. ومع ذلك لم يستطع أن يفعل شيئاً من شعب لا يستجيب، حتى قال: ولكن لا رأي لمن لا يطاع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق