
التفكير الخطي تشبيهاً تقريبيا هو تفكير القرود
ماذا نعني بتفكير القرود؟
يروى أن أستاذنا عبد الرؤوف الكسم رئيس وزراء سوريا يوماً ما ذهب إلى فرنسا في زيارة رسمية، وهناك كانت له زيارة إلى حديقة الحيوانات بباريس.
فيما هو والوفد المرافق له يجولون في الحديقة مروا بقفص القرود، وما رأتهم القرود يسير حتى هاجت وماجت وراحت تبخط بالجدران... استغرب الجميع ذلك فتوقفوا. وجاؤوا بالمختص بالقرود ليجلو الحدث. فدخل إليهم وخرج بعد قليل قوال:
ـ غاضبون ومستنفرون...
ـ لماذا؟
قال: يقولون لماذا الظلم... إما أن نكون كلنا في القفص أو كلنا خارج القفص... ذلك لماذا يسير معكم وليس معنا في القفص...
القرود ظنت أن ما تشابه في الشكل متشابه في الجوهر. كل ما يشبه قرط الموز موز، كل شي كروي بطيخ... كل قصير وأسمر قرد...
ما أسهل أن تقيس الناس كلهم بمسطرة واحدة، وما أكثر البشر الذين يمارسون هذا التفكير الخطي، تفكير الذي تعلم أن كل من يقف على رجلين فهو إنسان فلما رأى القرد قال عنه هذا إنسان، ورأى الدجاج فقال هذا إنسان، ورأى الكنغر فقال هذا إنسان... وحين وقف الفيل على رجليه فجأة صرخ مندهشاً وقال: لقد تحول الفيل إلى إنسان، لقد تحول الفيل إلى إنسان...
بالمناسبةالقرود أذكى من ذلك بكثير
ومن الظلم أن أشبه البشر الذين يفكرون تفكيراً خطيا بالقرود لأن القرود أكبر من أن تفكر بهذا التفكير الخطي.
لست آسفا أن أقول إن من يضع الناس كلهم في سلة واحدة من ناحية الذكاء أو الأخلاق أو القدرة أو الإيمان... فإنه أقل ذكاء وأقل تفكيراً من القرود...
لا يوجد مخرب للمجتمع ومدمر للأخلاق والقيم أكثر من هؤلاء الأشخاص الذين يساوون هذه المساواة الحمقاء بين الذكي والغبي، بين الجبان والقوي، بين الفقير والغني....
كيف يمكن أن أساوي بين ينحني ليقبل يد أمه وبين من ينحني ليقطع يدها كي يأخذ أساورها؟؟؟
كيف أساوي بين ما يصف لك دواءً يقتلك به أو يكاد وبين من يصف لك الدواء الشافي؟!
كيف أساوي بين من يضعه الناس أمامهم ليقودهم إلى النجاة فيقودهم إلى الهلاك، وبين من يجب أن يقودهم لأنه هو الأجدر بالقيادة ويعرف ماذا يفعل كلما تعرض لمأزق؟!
يقال إن علي بن أبي طالب قال: «لو سكت الجاهل ما اختلف الناس». والحقيقة أنَّ المشكلة ليس في سكوت الجاهل، المشكلة اليوم في عالمنا وخاصة العربي والإسلامي هي أنَّهُ لا يوجد جاهل يريد أن يعترف أنَّهُ جاهل. لو اعترف الجاهل أنَّهُ جاهل لسكت. العالم الحق يعرف حدوده. والعالم الزور هو الجاهل الذي لا يريد أن يعترف أنه جاهل. لا خوف من العالم الحق ولو أخطأ. والجاهل الذي يتفهمن، الجاهل الذي يوضع في مكان أعلى منه، الجاهل الذي يأخذ دور الفهيم أو العالم... سيخرب وهو يعمر. وقد قالت العرب قديماً: «إياك وصحبة الجاهل فإنه يريد أن ينفعك فيضرك». هو يريد أن ينفعك فيضرك. إذن ليست المشكلة في النية وطيبة القلب، المشكلة في العقل والتفكير.
يقولون: الذي لا يعرف الصقر يشويه... ويأكله طبعاً.
يقولون: قدموا للحمار وردة فأكلها...
كتبت مرة عن الحمار والوردة فاعترض أحدهم قائلاً: الحق على من قدم للحمار وردة...
أقول له: ومن ذا الذي يقدم للحمار وردة إلا ليأكلها؟
هم أرادوا أن البني آدم الحمار الذي يقدم نفسه أو يقدمه أحد ليكون قائداً، ليكون حكماً... لن يكون أكثر من حمار... لن يكون إلا الحمار الذي وضع الناس بين يديه رمز الحياة والجمال والربيع فأكله، كم أكل الصقر لأنه لم يميز بينه وبين الدجاجة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق