الخميس، 29 مايو 2014

النفاق السياسي أخطر أنواع النفاق



بحثت في النفاق وكتبت عنه، ولكن فاتني التعريج بالكلام على النفاق السياسي.
سأبدأ بآخر ما استجد من النفاق السياسي الصادر عن شخصيات اعتبارية. وأبدأ بالقول إنه مهما كانت التفسيرات والأسباب فإنه من الصعوبة بمكان تماماً أن يستطيع المرء السوي احتمال هذه المبالغات النفاقية التي سمعناها من رجال دين على نحو خاص ومن مثقفين تجاه بعض الشخصيات السياسية أو السلاطين تحديداً.
هناك أكثر من مثال، ولكن ثلاث أمثلة كل واحد منها يكسر ظهر المنطق والأخلاق. ولكن مثالان خطيران وجدا في ظرف شهرٍ واحدٍ تقريباً، وكلاهما رجل دين على مستوى من المكانة وليس القيمة بالضرورة. أولهما مفتي سوريا الحسون الذي قال: إن الانشقاق عن بشار الأسد هو انشقاق عن رسول الله. والثاني أستاذ الفقه في الأزهر الذي قال: إن السيسي ومحمد إبراهيم رسولين من رسل الله. أما بابا الأقباط، الحبر الأعظم، الذي يفترض أنَّهُ متبتل، انقطع في عبادته وعشق لله وحده، فوقف مع السيسي بمساواة حبه له بحبه لله إذ قال: أنا أذوب عشقاً فيه.
عجب عجب عجب!!!
النفاق السياسي هو النفاق للسطلة أو السطان. وهو أخطر أنواع النفاق على الإطلاق. يعني من دون مبالغة يمكن القول إنَّ كلَّ أنواع النفاق في كفَّةٍ والنفاق السِّياسي في كفَّةٍ مقابلةٍ، ويرجح عليها جميعاً، ويفوقها خطراً. وخاصَّة إذا صدر عن شخصية اعتبارية، أي لها وظيفتها الرمزية على الصعيد الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي أو الديني، أو على الصعيد القيمي عامَّةً. وذۤلكَ لما يمثله المستوى الرمزي للشخصية الاعتبارية من قداسة اجتماعية.
خطورة النفاق الصادر عن شخصيات ذات مكانة اجتماعية تكمن في جانبين:
أولهما انهيار القدوة والمثل الأعلى في قناعات الناس وممارستها، وانهيار القدوة والمثل الأعلى يعني انكشاف السقف أو الغطاء على عن أفق التفكير والقيم لدى الجمهور... يصبح شعباً بلا قيم، بلا هدف، لأنَّ القدوة والمثل الأعلى ساقط أمام أعينهم.
ثانيهما أنَّ ما لا ينهار في الجانب الأول يتعرض للتهديم في الجانب الثاني. أعني بذلك أنَّ من لا ينهار المثل الأعلى عنده بسبب شحطات النفاق التي يمارسوها من هم معددون من المثل العليا في المجتمع، فإنَّهُ سيتعرَّض للتأثر السلبي والخاطئ والانقياد وراء نفاق هؤلاء المنافقين. وسيؤدي بالضرورة أيضاً إلى نسف قواعد الحياة الاجتماعية السليمة أو الإيجابية أو المنتجة أو كلها معا.
الحقيقة أنَّ هٰذا النوع من النفاق موجود منذ القديم القديم، ورُبَّما يكون أقدم أنواع النفاق. ورُبَّما في هٰذا القدم ما يفسر تكرس القيمة الاجتماعية العليا للسلطة والصراع عليها. إن المثل الشعبي القائل: «يا فرعون من فرعك؟ فقال: لم أجد من يردني»، تعبير أمثلي عن واقع الحال في قدم النفاق السياسي. وإذا تتبعنا التاريخ القديم والسلاطين الذين تمادوا في تأليه أنفسهم نجد أن وراءهم رجال دين، رجال علم أو فكر هم من ابتدأ معهم فكرة التأليه، وأعجتهم الفكرة، وصدقوها وساروا فيها. فرعون، النمرود... وغيرهما من رجال الدين الذين تم تأليههم إنما كانت على أساس هٰذا النفاق السياسي قبل أن تكون اندفاعةً من السلطان أو رغبةً منهم. نفاق رجال الفكر والسياسة والدين وغيرهم من الشخصيات الاعتبارية هو الذي يفتح الباب على السلطان الذي يصدق نفاقهم ويعتقد في نفسه ما ينافقون به. قليل نادر من السلاكين هم الذين لا ينساقون وراء هذا النفاق، ولٰكنَّ أكثرهم يسرون به ويصدقونه. ولذۤلك يمكن القول إنَّ السلطان الذي لديه قبول أو ميل إلى هٰذه المبالغة هم من يقدمون على صنع طبقاتهم الثقافية الخاصة وإخصاء وإقصاء المثقفين الحقيقين مهما اختلفت ميادين حراكهم الثقافي. وهٰذه الظاهرة أيضاً ليست بالجديدة فهي موجودة منذ القديم أيضاً، وظهورها الصريح اليوم هو لأننا نعيشها وليس لشيء آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق