الأربعاء، 7 يناير 2015

باريس واللجوء والإسلام والإرهاب



ما الذي حدث في فرنسا اليوم؟
هل هو مقدِّمةٌ أم نتيجةٌ؟
وسائل الإعلام العربيَّة قبل الغربيَّة ترىٰ إلىٰ الحدث علىٰ أنَّهُ مقدمة، أي لتقول إنَّ الإسلام إرهابيٌّ، وأنَّ المسلمين إراهابيين بالضرورة... تسويغاً للحرب علىٰ الإسلام تحت مسميات وذرائع مختلفة، وتهيئة للرَّأي العام لتقبُّل أيِّ هجماتٍ أو سلوكات أو قرارات جديدة في محاربة العرب والمسلمين والمهاجرين تحت عنوان الحرب علىٰ الإرهاب.
لا يريدون الاعتراف بالحقيقة الأساسية التي هي أنَّ هٰذا الفعل الذي وقع اليوم المتمثل بالاعتداء علىٰ صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية ومقتل اثني عشر شخصاً، هو نتيجة وليس مقدمَّةً، مثلما هو شأن نشأة الجماعات الإسلامية المتطرفة؛ نشأتها نتيجة وليست هي المقدمة...
لم ينشأ هٰذا العنف الإسلامي لأنَّ السِّياسة الغربيَّة كانت سياسة ملائكيَّة، ولا لأنها سياسة حملان وديعة. لقد نشأت هٰذه التَّطرفية والعنفيَّة بسبب السياسات الغربية العدائيَّة ضدَّ الإسلام في كلِّ مكان. لا أريد العودة إلىٰ التاريخ، فقط لتراجع فرنسا سياستها ضدَّ المسلمين في السنتين السابقتين فقط؟ وكذلك لتفعل غيرها من الدول الغربية. ليراجعوا الازدواجية المقززة التي يمارسها الغرب في التعامل مع ما يسمى التطرف الإسلامي الذي لا يعادل واحد بالمئة من تطرف ووحشية الآخرين ضد الإسلام،ولا يرون شيئاً منه ولا يعلقون محض التعليق عليه.
وفوق ذۤلكَ كله لا بُدَّ من السُّؤال:
لماذا لا تظهر أعمال العنف هٰذه إلا في الأوقات التي يحتاج الغرب فيها إلىٰ ما يدعم حربهم ضد ما يسمُّونه التَّطرف الإسلامي؟
لماذا لا تظهر مثل هٰذه الجرائم إلا في الأوقات التي يبدأ الإسلام فيها بالتمدد في أوروبا ويكون تآخي المسلمين مع الأوربيين آخذاً في التصاعد والنو بشكل إيجابي كبير؟
عند هٰذا السؤال ظهر من يقول بأن النظام السوري وراء هٰذا الإرهاب، وبعضهم أكَّد ذۤلكَ بأنه جاء بعد يومين من إعلان الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند ندمه علىٰ عدم استخدام القوة ضد النظام السوري.
لن أذهب في هٰذا المنحى، ولٰكن مما ما عاد يربكني ولا يحيرني أنَّ أنصار النِّظام السُّوري وتحديداً من السوريين لم يدينوا الهجوم علىٰ مقرِّ صحيفة شارلي إيبدو الفرنسيَّة بل أدانوا فرنسا لأنها استقبلت اللاجئين السوريين. قالوا: لأنهم استقبلوا السوريين كانت هٰذه هي النَّتيجة!!!
لن أعود إلى حملات الدَّعوة لطرد اللاجئين السوريين من أوروبا التي أعلنتها مواقع النِّظام منذ أشهر... ولٰكن لا أستطيع إلا أن أصرخ بوجههم:
ما أنتم قولوا؟
قولوا أي ربٍّ تعبدون؟
أيعقل أن تصل الأمور إلى هٰذا الحد؟
ألستم من يقول إنَّ العصابات المسلحة تشردهم وهي سبب خروجهم  من سوريا؟
ألا يعني هٰذا وجوب تعاطفكم معهم؟
هٰذا تناقض قد لا يحتاج إلىٰ تفسير، ولۤكنَّهُ مع ذۤلكَ يستحق علامات الاستغراب كلها وكذۤلكَ علامات الاستهجان كلها والتعجب كلها.
هل المسألة متعلقة إذن باللاجئين السوريين؟ باللاجئين المسلمين؟ بالمسلمين؟
لا يمكن الفصل بينها جميعاً، وثَمَّة عوامل أُخْرَىٰ بدت في سابق الكلام. ولٰكن ونحن في هٰذا السياق، وحَتَّىٰ تكون الصُّورة واضحة أكثر. أنا لا أعتب، ولا يحقُّ لأحد أن يعتب علىٰ الدُّول الغربيَّة في إجراءاتها للحدِّ من تدفق المهاجرين... هي دولهم ومصالحهم بغضِّ النَّظر إن كانوا مصيبين أو مخطئين، إنسانيين أو غير إنسانيين... إنهم يقدرون مصالح دولهم وشعوبهم ويتصرفون علىٰ أساسها. ولٰكن لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن لا أتوجه بكلِّ أنواع اللوم والعتب والتقريع والتشنيع علىٰ كلِّ الدول العربيَّة في الدرجة الأولى، والدُّول الإسلاميَّة في الدرجة الثانية، وعلىٰ كلِّ من لا يشنُّ مثل هٰذه الحملة عليهم علىٰ كل ما يقومون به تجاه اللاجئين السوريين من تضييق وحصار ومنع عمل وتعقيد إجراءات الدخول والبقاء والخروج وغير ذۤلكَ كثير.
من قلب هٰذه العبثية العربية والإسلامية، من قلب هٰذه المفارقات العربية والإسلامية، أعود للحدث الفرنسي مستهدياً بالشجب العربي والإسلامي العنيف والعنيف جدًّا ضدَّ ما حدث. كان ملفتاً الموضوع، بل كان مكرساً للحقيقة التاريخية التي نعيشها اليوم:
نحن شعب يسارع للنفاق للأعداء إذا هزَّ مشاعر الأوربيين أو الأمريكيين حدث تافه ولو كان مرض كلب أو إنفلونزة تصيب في حديقة حيواناتهم عنزة.
بل إننا شعب لا يجيد إلا تأييد الأعداء في عدوانهم علينا. تذكروا على سبيل المثال كيف يتسابق كثير من أعلام وإعلام فلسطين والعرب في إدانة دهس إسرائيلي بسيارة فلسطيني ولو خطأ... وتنربط ألسنتهم وأفكارهم وعقولهم أمام كل مجازر إسرائيل بحق الفلسطينيين.
أنا فرداً أعلن باسمي شخصياً أنَّني أدين كلَّ التَّدخلات الغربيَّة في المنطقة العربية. وأعلن أنَّ هٰذه التَّدخلات التي تستهدف الإسلام والمسلمين بصورةٍ واضحةٍ هي التي تقود إلى ردود أفعال عنيفة، وهي التي تولِّد التَّطرف في نفوس العرب والمسلمين، وقد شاهدنا في الواقع الكثير من الأمثلة التي تؤكِّد هٰذه الحقيقة؛ حقيقة أن أشخاص متوازنين تحولوا إلىٰ التطرف بسبب ممارسات الغرب الازدواجية الفاقعة الصارخة ضد المسلمين وحقوق المسلمين، وغض النظر عن كل الاعتداءات التي تمارس ضد الإسلام والمسلمين من مختلف انتماءات الأرض الدينية واللادينية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق