اليمن يدفع
ضريبتي الوحدة والثورة
اليوم الثاني
والعشرين من الشهر الأول عام 2015م اكتمل الانقلاب الحوثي باستقالة الرئيس اليمني
عبد ربه منصور هادي إشارة إلىٰ تعذر قبول طلبات الحوثيين. وبدأت نحطات التلفزة
باستضافة المحللين الذين ذكرني فهمهم وفهم حهابذة التحليل السياسي للوضع اليمني
اليوم بنظرائهم في مصر فترة الانقلاب وتكرار قولهم: «لا
شرعية إلا الشرعية المتخبة، وهٰذا انقلاب علىٰ الشَّرعيَّة، ولا أحد سيعترف بهٰذا الانقلاب،
ونطالب الأشقاء بعدم الاعتراف بما يحدث...».
ومثلهم تماماً
كانت لقلقات وقلقلات مجلس الأمن والدول العربية وغير العربية التي منها ما ينتظر
ليعلن موقفه، ومنها ما يدرس الوضع، ومنها ما احتج علىٰ اساس أنَّ مواقفهم قد تغير
في الموضوع شيئاً.
يعني إذا عيَّن
الحوثي نفسه غداً حاكماً عسكريًّا لليمن ودعا لانتخابات وفاز بقوَّة الصُّندوق
الانتخابي العربيِّ، أو شكل مجلس حكم انتقالي يقود البلاد من خلاله فترة لتحقيق ما
يريد من فرض نفسه سيداً للوضع في اليمن بأي طريقة أُخْرَىٰ من الحكم المباشر أو من
الكواليس... ماذا يمكن أن تعملوا يا باشاوات، ماذا يمكن أن تغيروا من القرار الذي
سيتخذه الحوثي؟
أشرت قبل أيام
إلىٰ أنَّ الحوثي يريد حكم اليمن من الخلف فإن لم يستطع فسيقودها مباشرة. وها هو
اليوم أمام الوضع مباشرة باستقالة الرئيس هادي. بل بعد نشر الكلام السابق علىٰ
صفحة الفي سبوك بثوان كان الخبر العاجل علىٰ الفضائيات يقول: «صرح مسؤول حوثي أنهم يشكلون مجلس رئاسي ولا يعترفون بشرعية
البرلمان»، أي بأيِّ شرعية سابقة، لأنه لم يبق إلا البرلمان بعد استقالة الرئيس
ونائبه والحكومة واعتقال بعضهم.
فماذا أنتم فاعلون أيها المعترض والرافضون
والساكتون؟
سيكون الحوثي سيد اليمن ولبطوا البحر... أقول لبطوا
لا بلطوا.
الحقيقة التي يجب أن يدركها من يريد أن يعرف
الحقيقة هي أنَّ هٰذه نتيجة وليست مقدمة. ما حدث اليوم ليس مصادفة أبداً وإنما هو
ضريبة يدفعها اليمن واليمنيون علىٰ أمرين قاموا بهما وهما الوحدة التي ما زالت تقض
مضاجع الأنظمة العربية، والثورة التي عكرت مزاج الأنظمة العربيَّة وعليهم أن يدفع
ثمن التفكير في الثورة مثلما دفع المصريون الثمن، ومثلما يدفع السورين ثمناً لا
نظير له في التاريخ ثمناً لقيامهم بالثورة.
من ناحية ثمن
الوحدة، والأمر قد عاد للواجهة بل سيعود إلىٰ الواجهة بقوَّة في الأيام القادمة. في
عام 1991م قلت لبعض الأصدقاء: «إنَّ السُّعودية تخطِّط لتقسيم اليمن». وما هي إلا سنوات
ثلاث حَتَّىٰ اندلعت حرب التقسيم التي دفعت السُّعودية الغالي والرخيص فيها لإعادة
تقسيم اليمن ولۤكنَّهَا لم تفلح وأدخلت اليمن في حرب أحرقت اليمن بضع سنوات.
اليوم هي
ذاتها تعيد الكرَّة ذاتها وتقود الأمور من الكواليس لتقسيم اليمن تحت ذريعة أنَّهُ
الحلُّ الأفضل للخروج من الأزمة اليمنية...
لا أدري هل هو
ثأرٌ من اليمن، أم هو ثأرٌ من فكرة الوحدة، أم هو تنفيذ للمشروع الأمريكي في تفتيت
المفتت وتجزيء المجزأ؟!؟!
هٰذا يعينا
إلىٰ ما سبق من محاولة التقسيم ويجعلنا نتوقع أنَّ ما وصلت إليه اليمن اليوم كانت
نتيجة جهود سنوات سابقة من العمل علىٰ تقسيم اليمن استغلالاً لظروف الثورة
والاستفادة من فوضى الثورة والارتباك والتخلخل لإعادة تقسيم اليمن. الفكير في
الوحدة مثل التفكير في الثورة يشكل خطراً علىٰ الأنظمة العربية بالمجمل، ولذۤلك
علىٰ من يقوم بمثل هٰذه الخطوة أن يدفع الثمن الباهظ الذي يحول دون تفكير العرب
الآخرين في مثل هٰذا العمل.
الثورة إذن هي
السبب الثاني الذي علىٰ أهل اليمن أن يدفعوا ثمنه. لم يستطع النظام العربي أن يجعل
اليمنيين يندموا علىٰ الثورة، ولم تتعظ الجماهير العربية من انهيار الثورة اليمنية
باتفاقية نقل السُّلطة التي صاغتها السعودية علىٰ رأس دول الخليج تحت اسم المبادرة
الخليجية. ولذۤلك علىٰ الأنظمة العربية أن تجعل اليمنيين يدفعون ثمناً أكبر يجعل
الثورة عبرة لمن يعتبر، ودرساً يجب أن ينساه الشَّعب العربيُّ، حَتَّىٰ يصل العرب إلىٰ
القناعة التامَّة بأنَّ التَّفكير في الثَّورة هو إقدام علىٰ ما هو أبشع من الموت،
وأنَّ النِّهاية محتومةٌ وهي هزيمة الثَّورة، الثَّورة لا تنتصر، ستدفعون أبهظ
الأثمان وستهزمون.
كل ما حدث هو
بترتيب وتخطيط وتمويل من أنظمة عربية محددة وبرعاية كل الأنظمة العربية من دون
استثناء. ولٰكنَّ الذي حدث، وهو ما لا يعني الأنظمة العربيَّة بحال من الأحوال،
أنَّ إيران كانت تتسلل من تحت الجميع، وتخطِّط وتنظِّم علىٰ طريقتها، وتقود هي
الأمور لا ندري أفي غفلة عن الأنظمة العربية أم بمعرفتها وقبولها. وبدا أن إيران
فجأة صارت تحكم سيطرتها علىٰ أرجاء الشَّام والجزيرة العربيَّة من البحر إلىٰ
البحر.
إيران لا تغفل
هٰذه الحقيقة، وتفخر بها علنا، وتقرر أنَّها سيدة المنطقة من البحر إلىٰ البحر ولا
تخاف من ذۤلكَ ولا تخجل... ولٰكنَّ المريب العجيب الغريب أن الأنظمة العربية لا
ترى ذۤلكَ، ولا تعترف بذۤلكَ علىٰ اساس أنَّ عدم اعترافها سيغير الواقع، مثل
الأهبل الذي كتب علىٰ كيس السكر هٰذا ملح حَتَّىٰ لا يقترب منه النمل.
الأنظمة
العربية أرادات إجهاض فكرة الوحدة، ومعاقبة من يثور، فأدت إلىٰ تسليم الوطن
لإيران. هل هٰذا سوء تقدير من الأنظمة
العربيَّة؟
من غير
المعقول أن يكون سوء تقدير، فقبل عشر سنوات أرادت هٰذه الأنظمة ذاتها التخلص من
صدام حسين فخلصت علىٰ العراق وسلمته لإيران علىٰ طبق من ذهب، فمن غير المعقول أن
يستمر الغباء نفسه عشر سنوات. لا بُدَّ أنَّ هناك سرٌّ آخر. أرى أنَّ الأنظمة
العربية، في أحسن الظنون في الأنظمة العرييَّة، عندها قناعة واحدة هي أنا والطوفان
من بعدي. إما أنا أو لا أحد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق