للأمانة والتَّاريخ،
يجب أن يدرك الإنسان حقيقة لا مفر منها. هو يعيشها شاء أم أبى، ولٰكنَّ قليل من يدرك أنَّهُ يعيشها، وأنَّها تعاش كذۤلكَ.
لا توجد حرية
مطلقة. والديمقراطية لا تعني الانفلات وتنطع كل من هب ودب ليقول رأيه ويفتي... ولا
بديل عن الاستبداد. الاستبداد وحده الذي يصنع المجتمعات، وعدم وجوده لا يعني إلا
غابة مجانين لا غابة حيوانات. لا يضبط الإنسان إلا الاستبداد، العصا الغليظة بمعنى
أو بآخر.
أنا لا أعني أن
المستبد هو الضرورة. أعني الاستبداد. والفرقُ بينهما واسعٌ شاسعٌ. ومع ذۤلكَ فإنَّ الحاكم المستبد مستوى من الاستبداد أو نوع من
أنواعه.
نحن أمام ثلاث
أنواع للاستبداد هي:
استبداد نظام سياسي
وهو عامة أسوأ أنواع الاستبداد على الإطلاق لأنه يحول الدولة والمجتمع إلى عصابة
متماسكة تتخلخل في كل خلايا الدولة والمجتمع ويصعب إسقاطه إلى حد كبير جدًّا. لا
علاج لمثل هٰذا النوع من
الاستبداد ما يجتث النظام كله من جذوره وجذور جذوره... وإلا فإنه سيعيد إنتاج ذاته
بسرعة كبيرة جدًّا أو حَتَّى بهدوء. وعدم
اجتثاث النظام بهذه الطريقة العميقة لن يغير شيئاً في بنية الدولة والمجتمع.
استبداد الحاكم
الفرد وهو على ما يبدو عليه الحاكم من تأليه فإنه سريع الانهيار لدى أي هزة أو هزة
كبيرة. ولٰكنَّ الحقيقة التي يجب
أن ندركها أن المستبد الفرد غالباً ما يلجأ إلى مأسسة نظام متخلخل في خلايا الدولة
والمجتمع يبدو الحاكم الفرد هو الفرد الوحيد ولٰكن من ورائه بنية نظام فاسد، شبكة من الفساد السياسي
والاقتصادي تحقق للطبقة المسماة بالنظام مصالح كبيرة تجعلها مرتبطة بالحاكم الفرد
دفاعها عنه هو دفاعها عن نفسها. إن سقوط الحاكم الفرد هنا يؤدي إلى انهيار النظام
كله، ولٰكنَّ طبقة النظام هٰذه حَتَّى
إذا سقط النظام فإنها لا يمكن إلا أن تحاول إعادته بطريقة أخرى تعيد لها مكاسبها.
استبداد دولة
القانون هو في حقيقة الأمر دولة سيادة القانون على الجميع بدرجة واحدة. قد يعترض
كثير على تسمية دولة القانون بدولة استبداد القانون. هٰذا أمر يخصهم. ولٰكن واقعياً هي دولة استبداد القانون. هي دولة ديمقراطية
كما يحلو لبعضهم تسميتها. لا بأس، ولٰكنَّ سمتها الأساسية أن القانون مستبد لا يجرؤ أحد على
مخالفته، ومن خالفه مهما كان مكانه ووضعه سيرضخ له شاء أم أبى. إن انضباط المجتمع
الغربي والتزامه وحَتَّى أخلاقه ليست
إبداعاً شخصيًّا بقدر ما هو خوف، عدم رغبة، احترام للقانون... تختلف التسميات
ولكمن المبدأ واحد، والنتيجة واحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق