الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014

يعجبني الأمريكيون




يعجبني الأمريكيون بعدالتهم وحرصهم على عدم الخطأ، فلا يتكلمون بشيء قبل الحصول على الوثائق والأدلة والبراهين... لا يجهون الاتهام إلى أحد من دون الحصول على أدلة تسمح لهم بذلك.
اليوم 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014م تصريحان أمريكان يؤكدان هذه الحقيقة تأكيداً مربكاً للمنطق.
التصريح الأول عن البيت الأبيض يقول: إن واشنطن لم تقدم مشروعها بشأن اليمن إلى الأمم المتحدة بانتظار الحصول على أدلة تكشف لها حقيقة ما يدور.
التصريح الثاني عن البيت الأبيض أيضاً يقول: إن واشنطن حصلت على وثائق تثبت تورط علي عبد الله صالح والحوثيين بعرقلة الحل السياسي في اليمن.
لن نقول منذ سنوات، سنقول منذ شهر ونصف تقريباً بدأ الحوثيوين باحتلال اليمن قطعة قطعة، وعزل الحكومة، وفرض قرارات على الرئيس اليمني، ورفض الحلول الحل تلو الحل... كل ذلك منذ شهر على الأقل... العالم أجمع يعرف حقيقة الحوثيين، ومستوى وجودهم في اليمين، قيمة حضورهم التمثيلي من اليمن، وكونهم بيدقاً إيرانيًّا، ولا أحد يجهل أو ينسى تصريح مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، في 22 أيلول/ سبتمبر 2014م، قائلاً: إن «ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإيرانية الإسلامية»، مشيراً إلى صنعاء التي أصبحت تحت سيطرة الحوثيين حينها.
تخيلوا، بعد شهر ونصف من وضوح الحقيقة وضوحاً فاقعاً يفقأ عين الجاحد بالأدلة والاعترافات الصريحة... فإن الولايات المتحدة لم تفهم بعد ماذا يدور وتبحث عن أدلة، وبعد اعتراف الجناة بشهر ونصف اعترافاً وافتخاراً بما يفعلون يأتي البيت الأبيض ليقول: لديه أدلة تشير (لا تؤكد) إلى ضلوع الحوثيين وصالح بقيادة البلاد إلى فتنة، أو فوضى أو ما إلى ذلك!!!
هٰذا يشبه تماماً ما حدث في الحادي عشر من أيلول، ولٰكن بالمقلوب، فبعد خمس دقائق من ارتطام الطائرة الأولى ببرج التجارة العالمي وجه البيت الأبيض والخارجية التهمة إلى أسامة بن لادن والقاعدة... خمس دقائق فقط استغرقت أمريكا للحصول على القرائن والأدلة والبراهين والوثائق التي تسمح لها بإدانة تنظيم القاعدة. علماً أن كل القرائن والأدلة والبراهين تثبت عكس ذۤلكَ، وتؤكد ضلوع المخابرات الأمريكية، ورُبَّما وحدها، بأحداث الحادي عشر من أيلول.
الأمر عينه حدث مع اتهام العراق بحيازة أسلحة دمار شامل. يتذكر المتبعون كيف كان كولن باول وزير خارجية بوش الابن يحمل حقائب الأدلة ويعرضها على مجلس الأمن، ووسائل الإعلام الأمريكية التي تتحدث بإسهاب عن هٰذه الوثائق والصور الفضائية والأدلة السرية والعلنية التي تثبت بما يقطع الشك امتلاك نظام صدام حسين أسلحة دمار شامل، وعلى أساسها تم احتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين... ولم يتم العثور على شيء. صارت أرض العراق كلها تحت السيطرة الأمريكية وبحثت وبحثت لتثبت ادعاءاتها ولم تجد أبداً أدنى أدنى دليل على وجود أسلحة دمار شامل في العراق. سئل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد حينها:
ـ أي أسلحة الدمار الشامل التي زعمتم وجودها؟
أجاب بوقاحة وصفاقة:
ـ إذا كانت فرق تفتيش الأمم المتحدة كلها لم تجدها، فكيف سنجدها نحن؟
أما كولن باول فلم يستطع إلا تقديم استقالته احتجاجاً على هٰذا الكذب والتضليل.
هٰذا هو ديدن السياسة الأمريكية. تناقضات لا تصح بميزان، ولا يقبلها عقل سليم، ولا عقل في حال الشقلبان. والأمثلة على ذۤلكَ كثيرة جدًّا. يبدأ العد ولا ينتهي. بعد الشواهد السابقة لسنا بحاجة إلى مزيد من الأمثلة. ولٰكن ما لا بُدَّ من أن نختم به هو أننا حَتَّى هٰذا اليوم، بعد كل الحقائق والوثائق والتحليلات والأدلة والبراهين التي لا تقبل أدنى شك في أن النظام السوري هو الذي ارتكب مجزرة الكيماوي، ما زلنا نجد في الإدارة الأمريكية ممن يقول بَيْنَ الحين والحين: «ما زالت هناك شكوك في أنَّ المعارضة السورية يمكن أن تكون هي التي استخدمت الكيماوي في مجزرة ريف دمشق الشهيرة».
ألا يستحي الأمريكيون من هٰذه السياسة؟
أنا لا أسأل الشعب الأمريكي الذي يجب أن يثور على هٰذه السياسة التي تصم تاريخ بالعار الذي لا يمكن تنظيفه. أنا أسأل الإدارة الأمريكية ذاتها التي تسجل في تاريخ أمريكا هٰذه الفظائع التي تفوح روائحها القذرة طيلة الأيام القادمة من عمر البشرية، أسأل هٰذه الإدارة الأمريكية:
لماذا تفعلون ذۤلكَ وأنت لستم مضطرون إليه أبداً؟ ألستم أعظم دولة في العالم؟ إذن أنتم تستطيعون أن تفعلوا ما تشاؤون من دون داع لهٰذا الكذب القذر، فلماذا تكذبونه إذن؟
الإدارة الأمريكية تهرب من تحت الدلف إلى تحت المزراب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق