الاثنين، 27 أبريل 2015

بأي وجه يذهب الأسد للحل السياسي؟



الذين يقولون: لا بُدَّ في النِّهاية من التَّفاوض والحل السِّياسي، ينطقون بالحقِّ من أجل تمرير الباطل. نعم أيُّ صراع سينتهي أخيراً علىٰ الطاولة، الانتهاء إلىٰ الطاولة يعني التفاوض ولا يعني  الحل السِّياسي. هناك عقول بشرية أشبه بعقول العصافير عندما تسمع أنَّ الحليب أبيض تحسب أن كلَّ أبيض حليب... وإذا سمعت أنَّ هناك أصلع ذكي حسبت أنَّ كلَّ أصلع ذكي. وإلىٰ جانبها هناك عقول شيطانيَّة تلبس الحق بالباطل لتمييع الحق وتظهير الباطل علىٰ أنَّهُ الحق.
لا يمكن المساواة بَيْنَ تفاوض انتصار الحقِّ أو الباطل لإنهاء الصِّراع وبَيْنَ تفاوض القاتل والقتيل، الظالم والمظلوم علىٰ اقتسام السُّلطة.
ومن يزعم أنَّ انتصار فريقٍ علىٰ فريقٍ يرجئ مشكلةً لمرحلةٍ قادمةٍ فإنَّهُ يلبس الحقَّ بالباطل لأنَّ انتصار أصحاب الحقِّ هو الواجب وهو الحق رضي من رضي وأبى من أبى... فقط انتصار الباطل هو الذي يجعل أصحاب الحقِّ جمراً تحت الرماد حَتَّىٰ ينتصفوا. المعادلة ليست صعبة إلىٰ هٰذا الحدِّ حَتَّىٰ نجرجر فيها ونحوِّر وندوِّر لنساوي بَيْنَ الطَّرفين مساواة لا تستقيم مع المنطق أبداً ولا الأخلاق ولا الأعراف.
هٰذا لا يعني أني ضد الحلول السِّياسية في الصِّراعات، كما أنني لست ضد التفاوض لإنهاء الصراعات... أيضاً لا يمكن الوقوف مثل هٰذا الموقف. ولٰكن يجب وضع النقاط علىٰ الحروف والتمييز بَيْنَ المفاهيم والدلالات وحقيقة كل منها ومداه وأبعاده.
ومع ذۤلكَ، سأتجاهل كل هٰذه البداهات وأدعو إلىٰ حلٍّ سياسي للصِّراع في سوريا، صار اسمه صراع بتخطيطٍ دوليٍّ لئيمٍ ممنهجٍ مبرمجٍ للقضاء علىٰ فكرة الثورة. لا أعرف مدى قابلية الثورة وقيادات الثَّورة للحل السِّياسي، ولٰكنَّ سأفترض أنَّها بقيادتها المختلفة اجتمعت علىٰ قبول الحل السِّياسي والتَّفاوض مع النِّظام علىٰ وضع حدٍّ للصراع. ولن أفكر في النتيجة كيف ستكون. ولٰكن دائماً ستظلُّ أمامي حقيقة لا يمكن تجاهلها ولا تجاوزها أبداً، هي بشار الأسد والنِّظام وقدرتهما علىٰ الجلوس علىٰ طاولة التفاوض.
هل يستطيع بشار الأسد أن يذهب إلىٰ أيِّ حلٍّ سياسيٍّ؟
لا أظنُّ أبداً أنَّهُ يمكنه الذهاب إلىٰ أي حلٍّ سياسيٍّ أو تفاوضيٍّ. ليس لأنَّهُ لا يريد الحل السِّياسي، وهٰذا واقع، وليس لأنَّهُ لا يقبل التَّنازل عن السُّلطة وهٰذا واقع، وإنما لأسباب أُخْرَىٰ لا أقول لم تخطر علىٰ بال أحد بل أقول خطرت علىٰ بال الجميع، بل هٰذه الأسباب هي ذاتها كانت وقود الثَّورة منذ انطلاقتها. منذ انطلاقة الثَّورة اتهم النظام الثورة، أي الشعب السوري بأنه عميل للموساد، عميل ينفذ مؤامرة خارجيَّة، ثمَّ اتهمه بأنه إرهابيٌّ، وبشار الأسد شخصيًّا قال هناك ملايين الإرهابيين السوريين، وكأن عدد سكان سوريا مليارات بل تريليونات البشر!!! وعلىٰ ذۤلكَ يبرز السُّؤال:
كيف يمكن أن يقبل الحلَّ السِّياسي إذا كان لا يرى أن هناك ثورة ولا يرى أن الشَّعب ضدَّه؟ إذن لماذا الحل السياسي؟
كيف يمكن أن يذهب بشار الأسد إلىٰ حلٍّ سياسيٍّ مع إرهابيين ومتآمرين وخونه وعملاء؟
كيف يقبل بشار الأسد أن يتقاسم السلطة مع إرهابيين ومتآمرين وخونة وعملاء؟ وإذا تنازل عن السلطة فكيف يتنازل عن السلطة لإرهابيين وخونة وعملاء ومتآمرين؟
أحاول أن استجمع شظايا المنطق المتبقية من توقع قبول بشار الأسد الذهاب إلىٰ حلٍّ سياسيٍّ، فلا أجد ما يمكن أن يجمع إلا وهو هشيم.
أشفق لحال أيِّ سوريٍّ اقتنع أو قبل أو صدَّق أنَّ الثَّورة مؤامرة... وكل الأمور كانت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار... والكل كان يترقب الثورة علىٰ الظلم والفساد والطغيان...
أشفق لحال أي سوري اقتنع أو قبل أو صدَّق أن الثَّورة السُّورية طائفيَّة... والكل يرى ويعرف ويعلم وعلىٰ يقين بأنَّ الشَّعب السُّوري ليس طائفيًّا، وأنَّ  الثورة ليست طائفيَّة.
أشفق لحالهم لأني لا أعرف كيف يمكن أن يعودوا لتوازنهم النفسي والانفعالي، كيف يمكن أن يتراجعوا عن بهتانهم الذي صنعوه بأيديهم وصدقوه.
هٰذه هي مشكلة النظام التي ما فتئت أحذر منها منذ البداية، وهي أنَّهُ منذ البداية وهو يحشر نفسه دائماً في زوايا لا مخارج لها، ويدخل أنفاق اللاعودة... في كل خطوة جديدة ينسف كل ما وراءه من جسور التواصل وجسور التراجع، وبمنتهى الغباء لم يدرك أنَّهُ لا يمكن أن ينتصر... ليس كل القادة طارق بن زياد، ولا كل المعارك معركة طارق بن زياد.
علىٰ الرَّغْمِ من كل ما يدر أنا لا أميل إلىٰ الاقتناع بأنَّ بشار الأسد سيقبل بالحل السياسي مهما بلغت الضغوط عليه... لن يقبل بأيِّ حلٍّ لا يضمن له البقاء في السلطة مع الاحتمالية الكبرى لاستردادها كما كانت في عبر المرحلة الانتقالية... وأي دخول في مفاوضات لن يكون إلا مناورة. وهٰذا ما يحاول المجتمع الدولي أن يفعله اليوم بتقريب جنيڤ3 بأقصى سرعة عن طريق دي ميستورا وغيره.
تتعزز هٰذه القناعة أكثر وأكثر أما المعضلة الأكبر التي تنتظر بشار الأسد إذا كان سيترك السلطة خلال عام أو اثنين أو أكثر قليلاً، وهي مكان اللجوء، وهنا يبرز السُّؤال المحور والأخطر:
أيُّ دولةٍ هي التي ستجرؤ علىٰ منح بشار الأسد إمكانيَّة اللجوء؟
لا تتخيلوا الأمر سهلاً أبداً.
صحيحٌ أنَّهُ لم تحرَّك حَتَّىٰ الآن أي دعوة جديَّة في المحاكم الدوليَّة، وروسيا ما زلت تعطل مثل هٰذه الإجراءات، إلا أنَّ بشار الأسد أمام مئات الأطنان من الوثائق التي تجعله مطلوباً لكل أنواع المحاكم في  الكرة الأرضية والمجموعة الشمسية ومجرة درب التبانة. ولن تقف روسيا ولا غيرها للدفاع عنه عندما يصبح خارج السُّلطة. فأيُّ دولةٍ تستطيع أو تجرؤ علىٰ الوقوف أمام المجتمع الدولي لتحمي بشار الأسد؟
ولذلك لا تتخيلوا أنَّ بشار الأسد سيطلب اللجوء إلىٰ أيِّ دولةٍ. ولا أدري إن كان يدرك ما ينتظره بعد خروجه من السلطة. ولا أحسب أنَّ أيَّ ضماناتٍ في الدُّنيا يمكن أن تحميه أو تعصمه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق