البشرية عمياء
حقًّا، منذ أكثر من عشر سنوات كتبت مقالاً بعنوان: «إحياء مجازر ميتة وإماتة مجازر
حية» تعقيباً علىٰ بوادر تصعيد حملة إحياء ما يسمى مجازر الأرمن ومطالبة الأتراك
بالاعتذار. واليوم أعيد طرح السؤل:
أليست البشرية
أقذر مما يحتمل؟
أيعقل التطبيل
والتزمير لمجازر مضى عليها مئة سنة وأكثر، وغض الطرف عن مجازر أبشع منها بألف ورُبَّما
ألف ألف مرَّة تقع اليوم أمام أعيننا؟
لا أدعي علماً
بما حدث، المنطق يوجب عليَّ الوقوف علىٰ الحياد إذن، والحياد يقتضي من أن أسأل:
هل مجازر
الأرمن هي الحقيقة الوحيدة؟
أم ثمة قصص
وراءها؟
لماذا نصدق
فريقاً واحداً ولا نصدق الفريق الآخر؟
ألا يوجد أكثر
من رواية عن هذه المرحلة وما فيها؟
قرأنا أكثر من
رواية ولٰكنَّ الأكثرية القطيعيَّة لا تريد التَّركيز إلا علىٰ وجهٍ واحدٍ.
أنا لا أمنع الأرمن من التفكير في ما جرى لهم، ولا
أستنكر عليهم التَّألم مما جرى، ولا طلب التعويض... ولٰكن مثلما من حقهم نكش التَّاريخ
من حق غيرهم نكش التاريخ.
ومع ذۤلكَ، المشكلة ليست هنا، لننظر فيمن يثير هٰذه
المسألة: فرنسا التي ارتكبت مجازر في كل الدول التي استعمرتها ومنها مجازر الجزائر.
بريطانيا صاحبة التاريخ الأعرق في المجازر، الولايات المتحدة التي لا تضاهى في
المجازر أبداً... كيف يرون شبهة مجزرة ويقيمون الدنيا حولها ولا يرون مجازرهم التي
لا شكَّ فيها؟
دعك منهم، لنسأل المطبلين والمزمرين من وراءهم الذين
يجيشون ضد تركيا ولا يجيشون ضد أمريكا وفرنسا وبريطانيا؟
الحقيقة هي ما
يسمى الازدواجية في المعايير، المصالح الواقفة وراء هٰذا التجييش. والحقيقة
الواقفة وراء هٰذا التجييش هي تضييق الخناق والحصار والحرب علىٰ الإسلام السياسي لأنه
وصل إلىٰ السلطة، ولأنه نجح في السلطة. والدليل:
تسعون سنة من
حكم العسكر تركيا بقبضة حديدية...
تسعون سنة من الطلاق
بَيْنَ تركيا والعرب ومعانقة إسرائيل...
تسعون سنة لم
يرتفع صوتٌ واحدٌ في العالم والعالم العربي للحديث عن مجازر الأرمن...
فقط عندما نجح
حزب العدالة والتنمية الإسلامي في السُّلطة في تركيا ارتفعت الأصوات الغربيَّة
وتلتها في الآونة الأخيرة الأصوات العربية المتعاطفة مع الأرمن، وإحياء السنوية،
ومطالبة تركيا بالاعتذار، والتعويض، والركوع أمام الأرمن!!!
إنها حلقة من سلسلة
ما يسمى الازدواجيَّة ضد قضايا العالم العربي والإسلامي عندما يكون قطارهم علىٰ السكة
الصحيحة. فقط عندما يسير قطارهم علىٰ السكة الصحيحة تتصاعد الحرب ضدَّهم، وطالما
يسير قطارهم خارج السكة لا ينقطع التصفيق لهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق