الجمعة، 5 سبتمبر 2014

هل مصر بيضة قبان الأمة؟




من الأوهام  التي حكمت المخلصين وغير المخلصين للأمة العربية والإسلامية أنَّ مصر هي بيضة قبَّان الأمة؛ إذا صلحت مصر صلحت الأمة، وإذا فسدت مصر فسدت الأمة، إذا قويت مصر قويت الأمة، وإذا ضعفت مصر ضعفت الأمة... وإلىٰ ما هنالك من تعابير أدت في خلاصتها إلىٰ نتيجتين اثنتين علىٰ الأقل:
الأولى: تدمير الأمَّة وتكريس وهنها وضعفها وخضوعها، لأن مصر منذ عصر الاستقلال العربي علىٰ الأقل، عصر تكريس فكرة مصر بيضة القبان، وهي في حالة وهنٍ وضعفٍ وخروج عن السِّياق وبعد عن سكة الأمتين العربية والإسلامية.
الثانية: تركيز الأضواء عليها بقصد إخراجها من وهنها من أجل أن تنتشل الأمة... على أساس أنَّ مصر هي الأكثر أهمية، وأنَّ مصر هي الأكثر خطورة، وإذا صحلت مصر صلحت الأمة... ولذۤلك يجب أن نقف مع مصر كي تخرج من محنتها... وهكذا.
هٰذا وهم صريحٌ زرعه نفرٌ من المصريين بقوَّة الحضور الإعلامي وخاصَّة منذ أيَّام جمال عبد الناصر الذي تكرس في زمنة أنَّ مصر هي حاملة الأمَّة، والأمَّة بخير طالما أنَّ مصر بخير... واستمرت هٰذه الفكر عند أجيال ما بعد عبد الناصر وكرسوها في العقل العربي والإعلام العربي.
من هٰذا الباب وجدنا سلوكات الإعلام العربي في فترة الربيع العربي علىٰ نحو خاصٍّ. عندما كان يخرج متظاهر ضدَّ محمد مرسي كانت وسائل الإعلام العربية تترك بركاين الوحشية وبراميل المتفجرات والمعارك المحتدمة والمجازر في سوريا وتسلط الضوء على ذۤلكَ المتظاهر المصري ضدَّ محمد مرسي... واستمر الأمر كذۤلكَ حَتَّىٰ يومنا هٰذا من الفريقين فريق المخلصين الذين يريدون إنقاذ مصر لتحمل الأمة، وفريق اللامخلصين الذين يريدون تكريس خروج مصر من دائرة الفعل الإيجابي إلىٰ دائرة الانفعال كي لا تحمل الأمة وتقودها إلىٰ الإمساك بمصيرها.
 هٰذا أنموذج فقط من تطبيقات الاقتناع بهٰذا الوهم، ويمكن تعميمه علىٰ سلوكات وممارسات وقناعات كثيرة تدور في هٰذا  الفلك في انتظار عودة مصر إلىٰ ممارسة دورها الطليعي والشبيبي في قيادة الأمة إلىٰ مصاف المجد والسمو والعزة والسؤدد...
في هٰذا الأنموذج يبدو لنا كيف أن الأمة نهدر طاقاتها وأفكارها وقناعاتها ومخططاتها علىٰ أوهام لا أصل لها من الصحة... لا يوجد أبداً ما يؤكد بأي طريقة من التأكيد أنَّ مصر هي بيضة قبان الأمة. ولا يوجد ما يوجب ذۤلكَ بحال من الأحوال لا تاريخيًّا ولا واقعيًّا ولا منطقيًّاًّ...
ليست مصر هي البلد الأكبر مساحة جغرافية، هناك عدد من الدول أكبر منها مساحة جغرافية. ولا هي الأغنى بالموارد الطبيعية، هناك الكثير أغنى بمنها بمختلف أنواع الثروات والموارد الطبيعية... وكون مصر البلد الأكثر عدداً في السكان لا يعني أبداً وجوب أن يكون لها التأثير. لو كانت الدولة الأكثر سكاناً هي الأقوى أو الأكثر تأثيراً لكانت الصين والهند سيدتا العالم من دون منازع طوال الزمان.
إذن علىٰ أيِّ أساس يجب أن تكون مصر هي بيضة قبان الأمة؟
حسناً، قد يعترض معترض بأن الأمر تاريخي وهكذا كان التاريخ العربي  والإسلامي.
هٰذا الاعتراض واهم ولا أساس له من الصحة. متى كانت مصر عبر التاريخ العربي والإسلامي هي بيضة قبان الأمة؟
مرتان أو ثلاث فقط كانت مصر رائداً وقائداً الأولى أيام الفراعنة والثانية أيام محمد علي باشا الذي حورب وحوصر ولم يسمح له بالامتداد.  والثالثة عوداً إلىٰ الدولة الفاطمية بما لها وما عليها. فيما كانت امتداد للدولة التدمرية أيام زنوبيا، وكانت امتداد للدولة الإسلامية أيام الراشدين بمكة والأمويين بدمشق والعباسيين ببغداد، والأيوبية بالشام...
هٰذا ليس طعناً في قيمة مصر، ولا تقليلاً من قيمتها وشأنها، ولا بخساً لقدرتها... ولٰكن طعناً في وَهمٍ لا أساس له من الصحة.
مهما كان عدد السكان، ومهما كانت المساحة، ومهما كان الحضور التاريخي السابق... مصر دولة مثل أي دولة في العالم بالمطلق. قوتها وحضورها وتأثيرها بما هي في الواقع لا أكثر ولا أقل، قد تكون مقادة وتابعة، وقد تكون مخربة مدمرة، وقد تكون قائدة ورائدة... ولا يوجد قانون من أي موضوع أو ميدان أو اختصاص يقضي بأن يكون لها تأثير أو حضور أو فعل دائم، أو شبه دائم... غير الذي تقدر عليه في واقعها.
إليكم اليابان أعظم اقتصاد في العالم ومع ذۤلكَ فهي تابع وذيل للقرار الأمريكي في كل ما يتعلق السياسة والامتداد والحضور العالمي في أي مجال غير الاقتصادي. وإليكم هولندا التي لا تزيد مساحتها عن محافظة سورية ومع ذۤلكَ فدخلها القومي يكاد يعادل الدخل القومي للوطن العربي مجتمعاً. إليكم قطر التي لا تزيد مساحتها وسكانها عن محافظة مصرية لها حضور وقوة اقتصادية وسياسية تزيد عن الوطن العربي مجتمعاً...
هٰذه العقلية الواهمة أدت بمصر وبعض الدول العربية إلىٰ محاربة ومحتصرة أي دولة تسعى أن يكون لها حضور سياسي تأثير سياسي علىٰ الساحة العربية أو العالمية، مثلما يحدث مع قطر... بذريعة أنَّها دولة صغيرة، وأن هناك دول أكبر وأقوى...
هٰذه العقلية الواهمة أدت إلىٰ الخنوع والخضوع والنوم في انتظار نهوض عنترة من كبوته أو غفوته.
هٰذه العقلية الواهمة أدت إلىٰ هدرت كل طاقتنا وقدراتنا ومواهبنا في تسليط الضوء والسعي لنهوض المارد لأنه هو المنقذ الوحيد للأمة...
هٰذه العقلية وهم صنعته السينما المصرية وإعلام جمال عبد الناصر وصار هٰذا الوهم سيد الحقيقة وسيد الأفكار والمخططات والقناعات... وهمٌ صُنع استعراضاً وصار قناعة... فصحا جمال عبد الناصر من جديد.
بعد تغييب عشرات السنين من مختلف وسائل الإعلام بدأت وسائل الإعلام المختلفة منذ فترة هجومها المتصاعد على إحياء عبد النار واستحضار قيمته وتاريخه وقوميته....
لماذا يا ترى؟
وسائل الإعلام نفسها بإدارتها نفسها وتمويلها ذاته هي التي غيبت عبد الناصر منذ وفاته فماذا حدث حتى تنقلب على ذاته؟
أترك لكم الإجابة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق