الجمعة، 7 أغسطس 2015

أنصار النظام ووليمة العميان



منذ سنة تقريباً كتبت مقالاً بعنوان الثَّورة السُّوريَّة ووليمة العميان، وقبلها بنحو سنة ونصف كتبت أيضاً أنَّ الثَّورة السُّورية صارت مثل حال وليمة العمليان. واليوم أعيد نسج القصة عن أنصار النِّظام ووليمة العميان، وهو من أول ما كتبته عن موقف النِّظام وأنصار النِّظام من الشعب السُّوري علىٰ العموم بسبب الثَّورة.
وما وليمة العميان؟
أعيد القصة وهي قصة حقيقيَّة بتفاصيلها الآتية كاملة. يعرفها أهالي مدينة معضمية الشام لأنَّها وقعت فيها منذ نحو أربعين سنة أو أكثر.
تبدأ القصة مع رجل يحبُّ المزاح، (ويطحش) في مزحه أحياناً كما فعل في هٰذه القصة.
دعا هٰذا الرَّجل عميان القرية إلىٰ العشاء، (كانت المدينة قرية حينها) وكانوا نحو خمسة عميان حينها. وأعدَّ لهم من الطَّعام ما قدره الله عليه لم يبخل. وأكل العميان وهم يدعون له بالخير والرزق والبركة. وسقاهم الشَّاي بعد الطَّعام وَفْقَ الأصول.
ورفع الكاسات بعدما رفع أطباق الطعام. وأطفأ الضَّوء بإحساس المبصرين، ناسياً في غفلة أنَّ العميان تستوي عندهم الأنوار والظُّلم. ولكنَّ إحساسه الإبصاري بسوء طويته هو الذي قاده إلىٰ إطفاء النُّور.
وبعدما أطفأ النُّور صَفَعَ أحدهم كفًّا، والثَّاني رفسةً، ودفع الثَّالث علىٰ الرابع... وخرج يراقب من النافذة بسمعه.
مثلما يحدث في أفلام كرتون طبعاً، كلُّ واحدٍ وَجَبَ عليه الدِّفاع عن نفسه، أو رد الفعل المناسب، وبدأ الرفس والصَّفع علىٰ الفاضي وعلىٰ المليان، أينما ظن أنَّ حركة حوله رفس أو عضَّ أو ضرب، إذا سمع حركة من اليمين هاج ثوراً رفاساً عضاضاً علىٰ من في اليمين، وإذا سمع الحركة من الخلف استدار نحو الخلف وثار ثوراً هائجاً رفاساً عضاضاً... ولمن كان السَّبب ولمن لم يكن سبباً... ولم يكن أحدٌ منهم سبباً.
تخيلوااااااااااااااا المشهد الآن
غرفة فيها عميان، وبعضهم خرسان.
بعضهم بيده عصا، بعضهم بيده مخدَّة، بعضهم برجليه، بعضهم بيديه وحسب... ويجثو مثل كلب حراسة متوثب متأهب للهجوم إلىٰ أي جهة يسمع منها صوتاً... أي صوت، لا يهم، فقط صدور الصَّوت يكفي للانفلات والهجوم. وهو أصلاً لا يرى من يضرب. ولذۤلك هو مرَّة يصيب ومرَّات يخيب، ولا يستطيع التَّفاهم مع أحد، وهو أصلاً غير مستعدٍّ للتفاهم مع أحدٍ لأنَّهُ مبرمجٌ علىٰ رد الفعل علىٰ ىالحركة، أي حركة توجب رد فعله.
هٰذه في الحقيقة حال النِّظام السُّوري وأنصاره منذ بداية الثَّورة: لم يقبلوا أي نقد، ولا أي اعتراض، ولا أي مناقشة، ولا أي شك، بل لم يقبلوا الحياد ذاته... الحياد ذاته كان مرفوضاً رفضاً قطعيًّا مثله مثل أي معارض مسلح حَتَّىٰ علىٰ مدار عام من عدم استخدام الثَّورة أي سلاح.
بل أضيف إلىٰ ذۤلكَ أنَّهُما معاً النِّظام وأنصاره مارسوا هواية البغل الشموسي: يعض من أمامه ويرفس من وراءه، لم يفكروا أبداً باسترضاء أحد، ولا باستمالة أحد، ولا بأدنى تنازل مهما كان سخيفاً. أرادوا من الجميع الخضوع والتصفيق من دون تفكير أو تدبير، وأن تفعل ذۤلكَ بإرادتك وتطوعك وعلىٰ رغم أنفك من دون مناقشة.
المشهد علىٰ حقيقته بهٰذا الوضوح، ولا يحتاج إلىٰ أيِّ شرحٍ أو تشبيهٍ أو تفسير. أغمض عينيك وتخيَّل المشهد. عندما تتخيَّل المشهد وتضحك حَتَّىٰ تدمع عيناك، وتنقلب علىٰ ظهرك... يمكن أن تكون قد أدركت جوهر الحقيقة.
الحقيقة أنَّ أنصار النِّظام ما زالوا يمارسون هٰذه الحماقة حَتَّىٰ الآن بدرجة امتياز وامتياز منقطع النظير. رُبَّما أقلع النِّظام وهيكله الأمني عن هٰذه العادة أو الممارسة منذ فترة، أو خفف منها كثيراً... رُبَّما ولست متأكداً. ولٰكنَّ أنصار النِّظام لم تنطفئ جذوتهم في الهياج والاهتياج علىٰ كل من يقترب من النِّظام أي نوع من الاقتراب أو يزل لسانه في غلطة، في غلطة وليس في نقد، غلطة مقصودة أو غير مقصودة من نصير للنظام كافية لإشعال النيران تحته وعلىٰ الفور: عميل، خائن، وهابي، باع ضميره، باع وطنه، باع شرفه، بلا شرف، خائن، غدار، ناكر للجميل... ليست هٰذه وحسب، وليست واحدة منها، بل كلها وأكثر من ذۤلكَ بكثير.
كلنا يذكر منذ فترة عندما زلت قناة الميادين؛ قناة النِّظام، التي يمولها النِّظام، ويشرف عليها النام، وخدمت النِّظام منذ أول الثَّورة خدمات لا تعد ولا تحصى، وشوهت الثَّورة اكثر من أي قناة، ولم يوجه أي إصبع نقد خفيف للنظام... كيف انصبت عليها حمم الإساءة والتشويه والطعن والسب والشتائم لغلطة غلطتها بأن تكلمت كلاما موضوعيًّا في انسحاب الجيش من منطقة!!!
إذا كان أنصار النِّظام بهٰذه العلقيَّة مع قناة الميادين وما أدراكم ما قناة الميادين فلكم أن تتخيلوا كيف ستكون مع أي مواطن يبدو في عينيه أن قد يحتمل أن يفكر في نقد النِّظام؟!!
هٰذه حقيقة وليست افتراء أبداً. ولا فيها حَتَّىٰ أي مبالغة. راجعوا صفحتاهم واقرأوا ماذا يوجد فيها، راجعوا صفحات أناس موضوعيين حياديين كيف يتهجون عليهم ويكيلون لهم الاتهامات والشتائم والمسبات والتلفيقات...
لا أريد أن أناقش إن كان ذۤلكَ خطأ أم صواباً. ولا أريد أن أبحث في أسباب ذۤلكَ. وكلاهما ليس في صالح أنصار النِّظام علىٰ أيِّ حالٍ. ولٰكن لا بُدَّ من النظر في نتائج ذۤلكَ.
إلىٰ أين تقود هٰذه العلقيَّة؟
بداية سأفترض أنَّهُم ليسوا كلهم كذۤلكَ. سأفترض أنَّهُم فقط نشطاء مواقع التَّواصل الاجتماعي. وسأفترض أنَّهُم بضع مئات فقط بل بضع عشرات لا أكثر... والواقع يثبت أو يؤكد أو يكشف أنَّهُ لا توجد غير هٰذه الأصوات علىٰ مواقع التَّواصل الاجتماعي. لا توجد أصواتٌ مقابلةٌ تبرِّر أو تتبرأ أو توضح هٰذا الخطاب الذي يبدو أنَّهُ خطاب أنصار النِّظام. خلاف مواقع الثَّورة التي فيها أشكال وألوان واتجاهات.
عندما لا يكون هناك أي صوت معارض أو رافض أو مناقش يدل علىٰ وجود إرادة جَمعيَّة لا يمكن الاقتناع إلا بأنَّهُم جمعاً وجمعيًّا هٰذا الصَّوت الوحيد البارز.
هٰذا جانب من النَّتيجة أو النَّتائج المترتبة علىٰ هٰذه الرؤية العميانيَّة أو الدونكوشيوتية التي تحارب الجهات كلها وتطلق النار علىٰ الجهات كلها من دون تفكيرٍ أو تمييزٍ أو اعتبار.
نتيجة مختلفة عن هٰذه النَّتيجة يدركها أيُّ مبتدئ في علم النَّفس، بل هي لا تحتاج إلىٰ كبير جهد ليصل إليها أيُّ واحدٍ يفكر في الموضوع. عندما تفتح نارك علىٰ الجميع يفتح عليك  الجميع نيرانهم. عندما تحارب كل الجهات تنكشف جبهاتك من الجهات كلها وتصبح كلك عورات.
بطبيعة الحال لا أتوقع أنَّ أحداً من أنصار النِّظام قد فهم ما قلته أبداً، ليس لعجز في القدرة علىٰ الفهم بل لعدم وجود الإرادة علىٰ فهم الآخر حَتَّىٰ وهو ينصحه ويساعده.
هنا في حقيقة الأمر نحن أمام مصيبة جديدة يتمتع بها بامتياز أنصار النِّظام. يتمتعون بها بامتيازٍ منقطع النَّظير، وهي أنَّهُم حَتَّىٰ مع من ينصحهم لا يختلفون في ردود أفعالهم تجاه من ينقدهم، وتجاه من يقف ضدَّهم... تستوي عندهم الأشياء والأشخاص بعمى ألوان غير طبيعي أبداً... حَتَّىٰ عمى الألوان لا يمنع المرء من التمييز بَيْنَ المتناقضات.
لاحظت مراراً منذ أول الثَّورة أن من يوجه النصيحة للعلويين وأنصار النِّظام بالعموم، يواجه بسيل من الاتهامات والإدانات فقط لأنَّهُ ينصحهم لمصلحتهم لا لمصلحة غيرهم ولا لمصلحة خصومهم ولا لمصلحة أعدائهم... فكيف سيكون الأمر من الخصوم مباشرة أو الأعداء مباشرة؟!؟!
هٰذه العلقيَّة هي الخاسر مهما بلغ ربحها المؤقت. لأنَّهَا بالدَّرجة الأولى علقيَّة استعدائيَّة تشتري العداء والأعداء من العدم، وتصنع من الأصدقاء أعداء، وتجعل الخصوم أعداءً، والأعداء في عدائهم أشد عداءاً وأشدَّ عناداً.
وليس هٰذا فحسب بل الخطورة الأكبر تنعكس علىٰ هٰذه العلقيَّة ذاتها من ذاتها إذ إنَّهَا تصبح دائرةً مغلقة منغلقة علىٰ ذاتها تفهم وتفسر علىٰ ضوء محدود معطياتها أو علىٰ ضوء معطياتها فقط، فتفقد بذۤلكَ كل فرص الفهم والتفسير الأُخْرَىٰ التي لا تنسجم مع معطياتها التي يبدو جليًّا أنَّها خاطئة. وعلىٰ افتراض صحتها فصحتها محدودة ولا تغطي كل الاحتمالات الموجودة أمام العين والعقل مباشرة.
من البداهة بمكان أنني عندما أفترض أن الآخر علىٰ خطأ مهما فعل وأتعامل معه علىٰ هٰذا الأساس فإنِّي سأفقد فرصة فهمه، وسأفقد الحقيقة. وحَتَّىٰ علىٰ افتراض أنِّي علىٰ صواب فإنَّ انطلاقي من قناعة أنَّ الآخر علىٰ خطأ سيفقدني فرصة إدراك معرفة جديدة وفهمها قد تدعم حقيقتي وقد تطورها وقد تغيرها...
لا أريد أن أتوسع في تفسير هٰذه الظاهرة أو الممارسة، وإنما أكتفي بأبسط التفسيرات وأقربها وأكثرها دقة وشيوعاً وهي هٰذا الانغلاق علىٰ الذات بهٰذه الطريقة دليل ضعف وباطل معاً. من ضعفت حجته انغلق علىٰ نفسه حَتَّىٰ لا يريى غيرها ولا يغيرها.
ولما لا يريد تغييرها؟
هٰذا السُّؤال الذي لا يمكن أن تجد له جواباً شافياًّ أبداً. إن كان مقتنعاً بانه علىٰ باطل ولا يريد تغيره فنحن أمام مصيبة، وإن كان مقتنعاً علىٰ صواب ويخاف عليه فهٰذا دليل ضعفه وعدم قناعته بصوابه مما يجعله أقرب إلىٰ أن يكون مقتنعاً بأنَّهُ علىٰ باطل وعلىٰ خطأ. إن َّ من وثق في حقيقته لم يخش عليها ومن وثق في أنَّهُ يريد الحقيقة لم يتمسك بما عنده حرصاً علىٰ الوصول إلىٰ الحقيقة.
حسناً، ليؤمن كلٌّ بما أراد، وليفعل كل ما أراد. لا بأس في ذۤلكَ من جهة المبدأ، ولٰكن أن ينعكس هٰذا السُّلوك والفعل والإيمان الخاطئ وغير الواثق علىٰ الآخرين فهٰذا أمر يجب الوقوف عنده، ويحق للآخرين المتضررين التدخل فيه لدفع ضرر سلوك خاطئ عن أنفسهم. وهنا سندخل في تعقيدات فلسفية لا يحتاجها أكثر الناس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق