لا شك في أنَّهُ
كان حادثاً صادماً هٰذا الذي تمَّ به إعدام الطَّيار الأردني معاذ الكساسبة نسأل
الله له الرحمة ولأهله الصبر والسلوان.
حديث العالم
اليوم ولأيام قادمة هو طريقة إعدام معاذ. ومنذ الآن نحن أمام تشعبات كثيرة في
الآراء والمواقف والتوقعات. بعيداً عن ذۤلكَ كله، السؤال الذي لم يطرحه أحد:
من الذي قتل
معاذ الكساسبة؟
الجواب هو
الدولة الإسلامية.
نعم هٰذا
صحيح، الجواب صحيح في صورته. ولٰكنَّ جوهر الحقيقة غير ذۤلكَ تماماً. الحقيقة هي
أنَّ الولايات المتحدة تحديداً هي التي أعدمت معاذ، والأسير الياباني الثاني
والأول، والصحافي الأمريكي الثاني والأول... الولايات المتحدة تحديداً هي القاتل
الحقيقي لكلِّ هۤؤلاء بهٰذه الطريقة التي يجمع العالم علىٰ إدانتها، علىٰ أساس أنَّ
القتل بالكيماوي أو الصَّواريخ جائز، أو محمودٌ.
الولايات
المتحدة كونها قائدة المعسكر الغربي، وإمبراطورة العالم، هي المسؤول الأول والأخير
عن سياسة الحلف، وهي أصلاً صاحبة الموقف الأخير للسياسة الغربيَّة، وحَتَّىٰ
السياسة العالمية، وهي في ذۤلكَ كلِّه تمارس ازدواجيَّة صارخةً ضدَّ الإسلام
والمسلمين في العالم، تمارس سياسةً مثيرة للحقد، مثيرةً للكره، مثيرة للتطرف، بل
مثيرة للاشمئزاز إلىٰ أبعد الحدود، والأدلة علىٰ ذۤلكَ أكثر من واضحة بدءاً من
فلسطين والمجازر الإسرائلية علىٰ امتداد عشرات السنين الماضية، مروراً بأفغانستان،
إلىٰ العراق، والسودان، والصومال، ومالي، وبورما، وأفريقيا الوسطى، وسوريا والعراق
اليوم... التطرف الإسلامي الذي تشهده المنطقة والعالم نتيجة حتمية للسياسة
الأمريكية.
حذَّرت من
ذۤلكَ كثيراً منذ عشرات السنين، لست الوحيد الذي فعل ذۤلكَ، لا أحسب إلا أنَّ كلَّ
المفكِّرين والسياسيين حذروا من مغبَّة هٰذا السلوك الأمريكي، إنَّهُ نتيجةٌ منطقيَّةٌ لا
يمكن أن نتوقع غيرها، ولذۤلكَ ليس بدعاً من الخيال، ولا ضرباً من الإبداع أنني وكثيرين
حذَّرنا من نتائج هٰذه السياسة الأمريكيَّة.
لماذا نحاكم
النتيجة ولا نبحث في الأسباب؟
إن ما يفعله
الإعلام العالمي في سياق محاكمة النتيجة والتغافل عن الأسباب ضرب من البلاهة
والبلاهة فقط لأنه لا يؤدي إلىٰ مزيد من التصعيد ومزيد من التطرف، وتوسيع دائرة
المواجهة إلىٰ ابعد مدى ممكن، وما حدث في شارلي إيبدو واحد من المؤشرات.
علىٰ أمريكا
أن تعلم جيداً أنَّها إذا لم تعد النظر في سياستها الازداوجية التي تمارسها بوضوح
يفقأ عين الجاحد فإنها هي المسؤول الأول والأخير عن كل الجرائم التي يرتكبها
المتطرفون الإسلاميون أو غيرهم من الأديان الأُخْرَىٰ أو اللاأديان.
وعلىٰ أمريكا
أن تعلم أن عدم تصحيح أخطائها ونتائج أخطائها بسبب هٰذه الازدواجية سيؤدي إلىٰ تصعيد
التطرف أكثر وأكثر وأكثر. وستتسع دائرة المواجهة أكثر وأكثر وأكثر، وستكون فوضى
عارمة تحرق الجميع.
إذا كانت
الثورة السورية السبب الظاهر لظهور التطرف بهٰذه الطريقة الواسعة من المواجهة فإن
هٰذا التطرف ليس وليد اليوم أبداً، إنها منذ اليأس من أن تبدل أمريكا سياستها
الازدواجية والمعادية للعالم الإسلامي... منذ انهيار الاتحاد السوفيتي علىٰ الأقل.
لا أريد القول
كما يقولون الإسلام دين التسامح والرحمة والتعاطف، أقول كما يقول الغربيون
الحياديون: الإسلام دين مثل كل الأديان في التقدير العام. إذا استفز أهله تم
استفزازهم لأنهم بشر مثل كل البشر، وكلما زاد استفزازهم زادت ردة فعلهم. هٰذه
قوانين طبيعية في كل ميادين الحياة وليست بدعاً من الخيال ولا إضافة إلىٰ قوانين
الطبيعة. فلماذا يدركونها في كل المجالات ولا يدركونها هنا؟ لماذا يفعلون الفعل
ولا يعرفون نتيجته؟
أيعقل أنَّهُم
لا يعرفون ذۤلكَ؟
إذا يفعلون
ويعرفون رد الفعل فنحن أمام حماقة غير محدودة.
وإذا كانوا
يفعلون الفعل ولا يقدرون ماذا سيؤدي إليه من رد فعل فنحن ايضاً أمام حماقة غير
محدودة.
نحن لا نتحدث
عن سلوك شخص غير مسؤول، ولا عن سلوك شخص عادي، ولا حَتَّىٰ عن سلوك شخصي، نتحدث عن
سلوك دولة مؤسس علىٰ قواعد بيانات واستخبارات وعلماء من مختلف الاختصاصات، وفوق
ذۤلكَ كله ليست أي دولة من العالم السابع أو الخامس أو الثالث أو حَتَّىٰ الأول،
نحن نتحدث عن الدولة الأولىٰ في العالم. أي إنَّ الجريمة الأمريكية مكتملة الأركان
اكتمالاً غير مسبوق وغير منقوص أبداً.
ومع ذۤلكَ كلِّه،
نحن لا نطالب الولايات المتحدة أن تكون ملاكاً محضاً، ولا نطالبها بأن تدافع عن
حقوق العرب أو المسلمين، ولا أن تفكر في غير مصالحها... حقها وواجبها أن تفكر في
مصالحها ولو علىٰ حساب مصالح الآخرين، هٰذا حقٌّ لا ننكره. ولٰكن عليها إذا شاءت
أن تحمي مصالحها أن لا تستعدي المسلمين بهٰذه الطريقة الغبية المليئة بالاستفزاز
الجنوني.
أمريكا كما
وصفها مفكرون أمريكيون وغربيون هي رأس الإرهاب والتطرف، وهي مصنع الإرهاب
والتطرف... وإذا لم تدرك أمريكا هٰذه الحقيقة فستجر العالم إلىٰ ويلات لن يستطيع
أحد السيطرة عليها... وما يحدث الآن إلا مشاهد تلميحية لما ستقبل عليه البشرية في
الأيام القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق