الأربعاء، 23 يناير 2019

ومن وراء القواد رواد


ومن وراء القواد رواد

الدكتور عزت السيد أحمد
 فتحنا الكثير من صفحات الحكام والسَّلاطين العرب بالجملة والمفرق ولم نفتحها كلَّها بكلِّ تأكيدٍ ويقينٍ، وإنَّمَا تحدَّثنا بالمجمل غير المفصَّل، وبالعام غير التَّام... تفاصيل ومفاصل فيها الكثير من الشُّروح والحقائق والأدلَّة، يبقىٰ علىٰ مريد التَّفصيل التَّحرُّك والبحث، وليس البحث بصعبٍ أبداً علىٰ من أراد... أحدِّد وأكرِّر: علىٰ من أراد. لأنَّ الكثيرين يزعمون الإرادة وما الإرادة منهم ولا فيهم وإنَّمَا هو زعمٌ ومن ورائهم أوهامٌ يؤثرون التَّنعُّم فيها علىٰ ما فيها آلام، ولۤكنَّهُم لا يدركون.
هٰذه هي مشكلتنا الأساسيَّة والكبرىٰ مع النَّاس أكثرهم في حديثنا عن الحكام السَّلاطين وما فعلوا وما يفعلون.
لا شكَّ في أنَّ الذُّباب الإلكترونيَّ للأنظمة العربيَّة، أي الاستخبارات التي هي أجهزة الحكام، يفعل فعله وأفعاله في تشويه الحقائق وتقديس الحكام والسَّلاطين علىٰ رغم كونهم مفضوحين وعلىٰ الفضائح كانوا وظلُّوا مفتوحين. بل علىٰ الرَّغْمِ من أنَّ الحكام والسَّلاطين العرب يفعلون ما يفعلون بما ليس فيه إخفاء ولا إدغام ولا تعمية، ويفخرون بذۤلكَ جهرا لا سرًّا فإنَّ هٰذا الذباب الإلكتروني الذي هو فروع مخابرات لهذه الأنظمة ينكرون هٰذه الحقائق الواضحة الجلية، ويحاربون الذين يفضحون الحكام بل الذين ينشرون أخبارهم من هٰذا القبيل أشنع الحروب وأشدِّها رذالةً وسفاهةً وحقارةً...
ومع ذٰلكَ أقول هٰذا واجبهم. إِنَّهُم موظفو مخابرات يقومون بواجبهم ويفعلون ما يؤمرون به. ولا يعنيني إن كانوا مقتنعين بذۤلكَ أم غير مقتنعين، راضين علىٰ ما يفعلون أم غير راضين، مجبرون، مكرهون، راضون، راغبون... كل ذٰلكَ لا يعنيني في شيء لأنَّهُ لا شيء يبرؤهم أو يخلي ساحاتهم من المسؤوليَّة الأخلاقيَّة والإنسانيَّة والنَّفسيَّة والاجتماعيَّة وحَتَّىٰ القانونيَّة إذا جدَّ الجد.
ومع ذٰلكَ كلِّه هم خارج سياق الكلام والأحكام التي سنتحدث فيها الآن. لأسباب ثلاثة:
الأول: أنَّهُم هٰذه وظيفتهم وعملهم ومهمتهم التي ارتضوها واقتنعوا بها أو ألزموا بها من قبل الأجهزة الأمنيَّة التي يعملون بها.
الثاني: أنَّهُم مهما تنكروا وراكموا الأقنعة علىٰ وجوهمم وحساباتهم الإلكترونيَّة فإنَّهُم معروفون بمعنًىٰ من المعاني ولغتهم معروفة، وأسلوبهم معروف... وعلىٰ افتراض صعوبة معرفتهم من قبل بعضٍ فإنَّ آخرين سيعرفونهم. ولا أجادل كثيراً في هٰذه المسألة التي تفتح آفاق الجدال بالاعتراضات والتساؤلات.
الثالث: وهو الأكثر أهميَّة فيما يعنينا أنَّهُم مهما بلغت أعدادهم فإنَّهُم عاجزين عن تكوين رأي عام وقيادة الجماهير إلىٰ موقفٍ واحدٍ ضدَّ أو مع هٰذه الحقيقة أو تلك وخاصَّة في أيامنا هٰذه. وهٰذه مسألةٌ وإن وجد من يمكن أن يعترض عليها إلا أنَّها لا تخلو من الحقيقة زادت أو نقصت.
إذن من الذي يمكن أن يؤثِّر ويغيِّر ويبدِّل؟
إِنَّهُم جحافل الخيل التي يركبها الحكام والسَّلاطين من دون أن تكلفهم قرشاً واحداً، ومن دون أن تكلفهم أيَّ عناءٍ في التدريب والتوجيه أو غير ذٰلكَ.
ومن هي جحافل خيل الحكام والسَّلاطين؟
إِنَّهُم أكثرية الشُّعوب التي يحكمونها. والأمثلة والشَّواهد والأدلَّة علىٰ ذٰلكَ كثيرةٌ يدركها عددٌ غير قليلٍ من المتابعين والمهتمِّين. واللافت في الأمر أنَّهُم أكثرهم من غير المستفدين من هٰذه الأنظمة، بل بعض غير قليلٍ منهم من المتضرِّرين منها، بل إنَّ بعضهم ممن يعدُّون أنفسهم معارضين لهذه الأنظمة والسلاطين. بل إنَّ بعضهم يحسبون أنفسهم ممن يدافعون عن الحق والحقيقة.
لا أريد أن أفصِّل في ذٰلكَ كثيراً وإن كان هٰذا مكان وجوب التَّفصيل، ولٰكن لأنَّ الشَّواهد والأمثلة في هٰذا الموضوع أكثر من أن تحصى أكتفي ببعض الأمثلة علىٰ ذٰلكَ. أبدأ من شاهد بعيدٍ عن محور كلامنا الدَّقيق ولٰكنَّهُ يدور في فلكه ويعطينا بعض الضَّوء لفهم هٰذه الظاهرة.
مشكلة الحرب علىٰ الإسلام واتهام الإسلام بكلِّ نقيصةٍ مشكلةٌ قائمةٌ منذ أمدٍ بعيدٍ بل آمادٍ بعيدةٍ. اليوم صرنا نشهد نماذج من المدافعين عن الإسلام تثير الشَّفقة بل وتثير الاشمئزاز في بعض الأحيان. لسنا بحاجة لمن يبرهن لنا الانتقائيَّة في الحرب علىٰ الإسلام من قبل الغربيين عامَّةً وكيف أنَّ السُّلوك نفسه يكون إرهاباً إسلاميًّا إذا كان الفاعل مسلماً ولو من الجيل الثالث، بَيْنَما السُّلوك نفسه بل الأشد منه مئة مرَّةٍ يرونه سلوكاً عابراً إذا كان الفاعل غير مسلم.
في ظلِّ ذٰلكَ تجد آلاف المسلمين الذين يتنطعون لتبرئة الإسلام بأقوال صارت مستنسخات تتكرر علىٰ ألسنتهم بتلقائية من قبيل: ليس هٰذا من الإسلام، الإسلام دين سلام، الإسلام دين رحمة، هٰذا لا يمثل الإسلام... وهلم جرًّا من هٰذه العبارات. هٰذا جميل. ولٰكن إذا أوتي لك أن تعرف من القائل لوجدتهم أكثرهم ممن لا يعرفون جهة القِبلة، ولم يتوضؤا يوماً لصلاة إلا عرضاً، ولا يعرفون شيئاً من القرآن ولا من الحديث إلا ما بقي في ذاكراتهم منذ أيام الدِّراسة الابتدائيَّة حَتَّىٰ الثَّانويَّة لمن وصل منهم إلىٰ الثَّانويَّة أو زاد عليها... بل الأعجب أنَّك قد تجد بعضهم ممن يسطِّرون دفاعاتهم عن الإسلام وكؤوس الخمر بأيديهم والصويحبات في أحضانهم يفتون في حقيقة الإسلام وطبيعة الإسلام!
علىٰ هٰذه الشاكلة من الناس، وبعضهم من هٰؤلاء بالضَّرورة، تجد غالبيَّة النَّاس التي تسبُّ الحاكم وتتذمَّر من الفساد، وتتألَّم من أخطاء الدَّولة وتقصيرها... وإذا رأوا أحداً يفضح حاكمهم بالخيانة أو سرقة خيرات البلاد أو ما جرىٰ هٰذا المجرىٰ... بالشبهة أو بالدَّليل هجموا عليه مثل الكلاب المسعورة نباحاً ونهشاً وعضاً.
بل المؤلم في الموضوع أنَّ فضائح الخيانة والعمالة ومعادة الوطن تكون واضحةً أوضح من الشَّمس في رابعة النهار ومع ذٰلكَ تجدهم ينكرون... الحكام العرب يعترفون ويتفاخرون بأنَّهُم أصدقاء إسرائيل ولا يبالون، ويزورون إسرائيل ولا يبالون، فما لك أنت أيَّهُا المواطن الذي يدعي حب الوطن حَتَّىٰ تنكر ما هم يعترفون به بألسنتهم؟ إذا كانوا هم يعترفون بذۤلكَ بألسنتهم والصور تشهد بذۤلكَ أفلا تستحي، من باب الأخلاق الشخصية علىٰ الأقل، أن تنكر ما لا يمكن إنكاره؟
تخيلوا الآن أنَّ السَّادات زار إسرائيل وخرب كلَّ موازين الصِّراع، بغضِّ النَّظر عن كذب الحكام العرب في ذٰلكَ، فمنذ ذٰلكَ الحين وحَتَّىٰ الآن تجد الكثيرين يلفون ويدورون ليجعلوا من الزيارة والاستسلام ضرورة تاريخيَّةً، وأسبقيَّة في الفهم والوعي والإدراك... والأخلاق والأمانة!!!
لولا أنَّ الزيارة كانت منقولة بتفاصيلها كلها علىٰ التلفزيونات في الدُّنيا كلِّها، مع صور الجرائد والمجلات والمصريَّة منها علىٰ خاص والعربيَّة علىٰ نحوٍ عامٍّ... لوجدت هٰؤلاء الكثيرين أنفسهم ينكرون الزيارة، وينكرون الاتفاقيَّة. والدَّليل أنَّ السِّيسي علىٰ سبيل فعل الأفاعيل من هٰذا القبيل وبلسانه قال ما قال من اعترافات تبثت خيانته التَّامة الأركان... ومع ذٰلكَ فإنَّ الأكثرية هٰذه تنكر ذٰلكَ كلَّهُ وترفض أيَّ اتِّهامٍ له أو إدانة...
وقبلهما جمال عبد الناصر. في أيَّامه وإلىٰ ما بعد سنوات يمكن أن نفهم إنكار الناس ما فعله وما يعبر عن حقيقته. ولٰكن بعد انكشاف الحقائق انكشافاً يسدُّ عين الشَّمس فمن المريب أن تجد من يظلُّ ينكر هٰذه الحقائق. حَتَّىٰ الآن وبعد عشرين سنة من تتالي انكشاف حقائق جمال عبد الناصر ما زال الكثيرون يرفضون القبول، وينكرون ما لا يمكن إنكاره.
المسألة المصرية نسخةٌ موجودةٌ في الدُّول العربيَّة كلِّها تقريباً. والطَّريقة ذاتها تتكرَّر من دون زيادة أو نقصان. عندما تصبح زيارات الحاكم لإسرائيل وزيارات إسرائيل له منقولةً علىٰ الهواء مباشرة يلفون ويدورون في المنطق والفقه والشرع والسياسة ليدافعوا عن هٰذه العلاقات وإخراجها من حقيقة كونها خيانة. وأمَّا ما دون النقل المباشر لعلاقة لحاكم شخصيًّا مع إسرائيل، ولنترك الأطراف الأُخْرَىٰ، فينكرون ويرفضون ويتهمون من ينقل أي خبر من هٰذا القبيل بالخيانة والعمالة لإسرائيل.
عندما زار نتياهو سلطنة عمان كانت الزيارة رسميَّةً ومنقولةً علىٰ التلفزيون العماني ولذٰلك عندما تحدَّث المتحدثون من هٰؤلاء لم يستطيعوا إنكار الزيارة ولۤكنَّهُم بحثوا عن مخارج لها بأنَّ مصر تطبع مع إسرائيل، والأردن تطبِّع مع إسرائيل، وأنَّ هناك زيارات سرية بَيْنَ إسرائيل والعرب وسلطان عمان يتصرف بالعلن ولا يخدع شعبه ولا يخدع العرب... وكأنَّ الدَّعارة بالعلن أفضل من الدَّعارة بالسِّر!
يا جماعة الخير، هناك إعلامي إسرائيلي يبث من داخل المسجد النبوي إلىٰ التلفزيون الإسرائيلي. النَّقل مباشرٌ والصور مباشرةٌ علىٰ صفحته في الفيسبوك والتويتر والانستغرام... ومع ذٰلكَ كلُّهم يرفضون تصديق ذٰلكَ، ويكذِّبون الخبر، ويتَّهمون قناة الجزيرة بالفبركة والتَّضليل، ويتَّهمون من يتحدَّث في الموضوع بالعمالة لإسرائيل.
يا جماعة الخير، هناك فيديوهات منشورة تصوِّر زيارة مسؤولين إماراتيين أو سعوديين إلىٰ إسرائيل، وفيديوهات منشورة تصور زيارة أشخاص ومسؤولين إسرائيليين إلىٰ السُّعوديَّة والإمارات ومع وضوح ذٰلكَ ويقينيته فإنَّ هٰؤلاء القطيعيون ينكرون أشدّض الإنكار، ويحاربون من ينشر مثل هٰذه الأخبار، ويتهمونه هو بالعمالة لإسرائيل!!!
صحيح أنَّ المشكلة في الحكام العرب، ولٰكنَّ المشكلة ليست في الحكام العرب بقدر ما هي في الدواب الذين تحتهم، لا هم لهم سوى تبرئة الحكام من الخسائس التي يتفاخر بها الحكَّام أنفسهم. ولا أعتذر عن استخدام لفظ الدَّواب فهٰذا وصف الله تعالى لهم في قرآنه الكريم، إذ قال تعالى في الآية 22 من سورة الأنفال، عزَّ وجلَّ من قائل : «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ». وما هم بخارجين من تحت هٰذا الحكم بحال من الأحوال والله أعلم.
ومن غرائب ما يتذرَّعون به أنَّ من يفضح هٰذه الزيارات والعلاقات هو الإعلام الإسرائيلي أو الصحافة الأمريكيَّة، علىٰ أساس أنَّ علاقاتهم مع أمريكا في ذرورة الاحتدام الصِّراعي. أفإذا عرضت صور الزيارة علىٰ التلفزيون الإسرائيلي فإنها إذن كاذبة؟!
أصلا زيارات الحكام العرب ومندوبيهم إلىٰ إسرائيل لم تنقطع منذ قيام إسرائيل، وإسرائيل هي التي تتستر عليهم وتحرص كل الحرص علىٰ عدم انفضاحهم. وذٰلكَ أمر يطول الكلام فيه.
علىٰ أيِّ حالٍ، مثلهم في ذٰلكَ مثل المدافعين عن العاهرة التي تتفاخر بأَنَّهَا عاهرة، وهم رُبَّما أصلاً في شكٍّ من أنَّها عاهرة أو يعرفون. ولٰكنَّهَا تعترف بأنَّهَا عاهرة وتكاد تمارس الدَّعارة علناً. ولٰكن إذا قال عنها التلفزيون الإسرائيلي إنَّهَا عاهرة، تواثب هٰؤلاء الدواب للدفاع عنها والقول بأنَّهَا شريفةٌ طاهرةٌ عفيفةٌ بدليل أنَّ التلفزيون الإسرائيلي يقول إنَّهَا عاهرة!!!
لم أسمع بمثل هٰذه السريالية في يوم من الأيام.
في كتابي قضايا الفكر العربي المعاصر الصادر عام 2007م ناقشت مشروع دمقرطة الوطن العربي الذي تطرحه الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة ضمن مشروع الشَّرق الأوسط الكبير، مما قلت فيه إِنَّهُ
عندما أرادت أمريكا دمقرطة العالم العربي هجمت أبواق الأنظمة العربيَّة هجمة شعواء علىٰ الدِّيمقراطيَّة بدل أن تهجم علىٰ المشروع الأمريكي...
وكان مع أبواق الأنظمة هٰؤلاء الذين وسمناهم بالدَّواب. بدل أن يعترفوا بالحقيقة ويخرسوا علىٰ أقل تقدير، بل بدل أن يبحثوا ويتحققوا من صحة الخبر بل الأخبار تراهم يتسافهون ويكيلون الشتائم القذرة والاتهامات الشَّنيعة لمن ينقل الأخبار من العرب، ولۤكنَّهُم لا يجرؤن علىٰ التَّفلظ بكلمة سيئة عن ناشري هٰذه الأخبار من الأجانب.
هٰؤلاء هم المفسدون الذين يخربون وهم يظنُّون أنَّهُم يعمرون، يحاربون الحقيقة وهم يحسبون أنَّهُم يدافعون عن الحقيقة. بعضٌ منهم خبثاء ولۤكنَّهُم يظنُّون أنَّهُم علىٰ حق أو أنَّهُم يدافعون عن الحق، ولۤكنَّهُم كلهم في خانةٍ واحدةٍ من البلاهة والتَّخريب والتَّشويه. وقلَّ قلَّ منهم من إذا أدرك الحقيقة اعتذر وصحح بقدر ما خرَّب.
ومما يتصل بذۤلكَ ولا ينفصل عنهم أنَّ أكثر النَّاس وبغريزة القطيع إذا ظنُّوا قيل أمامهم إنَّ أحداً أخطأ خطيئة ما انهالوا عليه بلا رحمة وبقذارة غير مسبوقة، ولم يكتفوا بذۤلكَ بل أنكروا محاسنه كلَّها وأنكروا تاريخه وشوهوه بل واتهموه أنواع الاتهامات بأخلاقه وقيمه وشهاداته... وقد ذكرت ذٰلكَ في مناسبة لدى حديثي عن أشخاص مهمين ولۤكنَّهُم ضلوا الطَّريق لسبب أو لآخر وكيف صارت النَّاس تنكر ما أنجزوه بل ترىٰ ما أنجزوه علىٰ فوائده ويقينيته أنَّهُ خطأ!!!
قد يقول قائل متسائلاً: وما أدراك أنَّهُم ليسوا من الذباب الإلكتروني، أي من مخابرات الأنظمة؟
أمَّا أنَّهُم من الذباب الإلكتروني فنعم، ولۤكنَّهُم ليسوا من الفرق التي تشغلها المخابرات، إِنَّهُم أناس عاديون بدرجات متفاوتة من الفهم والشهادات، يعني هم من حملة الدكتوراه وما فوقها من مراتب، وما تحتها من شهادات إلىٰ الابتدائيَّة. رُبَّما يستهويهم الاستعراض، أو عقد النَّقص والظُّهور، أو الغيرة، أو الثَّرثرة، أو غير ذٰلكَ كثير مما يعنىٰ به علم النَّفس.
هٰؤلاء هم قواعد صمود الباطل وأهل الباطل علىٰ الرَّغْمِ من أنَّ أهل الحق أكثر بما لا يقاس من أضغاف.
للمصادفة العجيبة أني بعد كتابة هٰذا المقال بأربعة أيام نشرت تغريدة أقول فيها حرفيًّا: ترامب وإيدي كوهين، سخرهما الله ليكشفا الأقنعة عن صهاينة العرب، لكي لا يتذرع عربي بالجهل، وللأسف الكثيرون يرفضون الفهم. لن يكون من المصادفة أن يكون ما سبق موجوداً في تعليقات بعض من القراء من هٰذا القبيل، ولٰكنَّ المصادفة العجيبة أن الإعلامي الإسرائيلي إيدي كوهين نفسه قد شارك هٰذه التغريدة علىٰ صفحته بعد أقل من ثلاثين ثانية من نشرها، وانهالت عليَّ الشتائم والاتهامات أشكالاً وألواناً. بعضهم واضحٌ أنَّهُ من الذباب الإلكتروني المنظَّم، ولٰكنَّ أكثرهم كان من هٰؤلاء الذين يحسبون أنَّهُم يدافعون عن الحقيقة. وهنا تذكرت ما كان قبل أكثر من خمس وعشرين سنة عندما كنت أنشر في صحيفة الحياة اللندنية موقفي الرافض للسلام العربي الإسرائيلي وكانت إذاعة إسرائيل قد قرأت وناقشت بعض هٰذه المقالات فتكاثر الخائفون علي من أن أتهم بالتواصل مع إسرائيل لأن إذاعة إسرائيل تناقش مقالاتي.
أكرر ختاماً، هٰؤلاء هم المفسدون الحقيقيُّون الذين يفسدون الوطن والدين، وبهم يعمر الفساد ويستشري الخراب، ويطول لسان الباطل، ويضعف الحق وينهار تحت لسع سياطهم. البشر هم أنفسهم، ولٰكنَّ فاعليتهم في القديم كانت منعدمة لانعدام القدرة علىٰ نشر الكلام، أمَّا اليوم وقد صار لكلِّ واحدٍ إذاعةٌ يمكن أن يشاهدها المئات والآلاف وتتفاعل كلها مع بعضها بعضاً وهلم جرًّا مما يتعلق بالخوارزميات الإلكترونية التي تكثر ظهور هٰذه المتشابهات، فإنَّ ذٰلكَ يثير في عقلي قوله تعالى في الآية 41 من سورة الروم: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ».
حسبنا الله ونعم الوكيل. اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً.

ــــــــــــ
ـــــــ
ـــ

الأربعاء، 26 أغسطس 2015

الاجتياح الفارسي القريب

حتى لا تبهتوا بالمفاجأة
لا أستغرب أبداً أن أرى حجافل الجيش الفارسي تجتاج بعض الدول العربية الخليجية قريبا وقريباً جداً
ولماذا تستغربون أن تمتد يد إيران في كل الخليج وهي تسميه الخليج الفارسي ولا أحد يعترض؟
وكيف تقيم إيران وزنا لدولة جاءها سلطاتها سكرانا؟

الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

عندما يتخوزق الخونة تنتصر الثورة



إن كنت تريد أن تُوقف عدوان الآخرين عليك فانظر من الخائن من أولادك وأهلك وضع له الحدَّ المناسب، عندها تغلق أبواب الغدر والخيانة والاختراق وتستطيع الدفاع عن نفسك.
من هٰذا الباب المخلوع دخل اللصوص والكلاب والخونة والعملاء وخربوا الدنيا وقلبوا الموازين. كثيرون يوجهون أصابع اللوم والاتهام إلىٰ الخونة والعملاء واللصوص والحق أنَّ اللوم يجب أن يوجه إلىٰ من ترك بابه مخلوعاً ليدخل منه من هبَّ ودب، المشكلة فيمن ترك بابه مخلوعاً.
صحيح أنَّ اللصوص والكلاب والخونة والمتسلقون والعملاء سيحاولون الدخول، ولن يتوقفوا عن المحاولة، ولٰكن أن يجدوا الباب مفتوحاً فهذا دعوة صريحة لهم للدخول والعيث فساداً وتخريباً وتدميراً. معادلة لا تنتظر الكثير من الجهد لتمَّ فهمها.
ومع ذۤلكَ كلِّه، وحَتَّىٰ بعد تحصين الباب لا ينبغي أن ننسى بداهة الأزمات التي تقول: إذا دخلت حرباً وعك عشر رصاصات فاجعل تسع للخونة وواحدة للعدو. أي إن التحصين لا يعني الطمأنئنة والاستكانة والسير مغمض العينين. يجب دائماً وضع الحد اللازم والمناسب للخونة والعملاء.
في الثَّورة السورية، في أي ثورة، عندما يتمُّ تطهير الثَّورة من هۤؤلاء الخونة والعملاء والمرتزقة تنتصر الثَّورة خلال يومين لا أكثر.
الثَّورة ستنتصر ولا أدنى شكٍّ في ذۤلكَ، ولٰكن لا يمكن أن تنتصر بكلِّ هٰذه القيادات في الإئتلاف والمجلس الوطني وقيادات الحر بأنواعها ولا قياداتها الإغاثية... كلهم ما بَيْنَ لصوص وخونة ومتسلقين (أستثني القلة النادرة). وعندما يتم تطهير الثَّورة من هۤؤلاء تنتصر الثَّورة خلال يومين لا أكثر، ولا أحسب أن ثَمَّة مبالغة في ذۤلكَ لأنَّ الويمين إن كانا أسبوعاً فلا تغير في الحكم.
تطهير الثَّورة من اللصوص والخونة والعملاء لا يعني تركهم يرحلون ويستمتعون بما نهبوه، بل يعني خوزقتهم واستمتاع السُّوريين بمشاهدتهم وهو يتخوزقون. وعطفاً علىٰ تحديد مفهوم الخيانة فالخيانة بمعناها التقليدي موجودة بكيمات تجارية في هٰذه القيادات، ومع ذۤلكَ فالخيانة كما يقول الحكماء ليست خصراً بمن باع نفسه للأعداء، يكفي أن يكون المرء غبيًّا حَتَّىٰ يكون خائناً. الغباء لا يدان بحد ذاته ولٰكنَّ ما يدان أن يكون المرء غبيًّا ويتنطع لما هو ليس أهلاً له، ويتفهمن فيما لا يفهم. هنا المقتل. وفي تتمة السياق، اللص بالمطلق خائن إذا سرق مما أوتمن عليه، وفي ظل ظروف الثَّورة فاللص خائن بالتأكيد لا يختلف عمن باع نفسه ووطنه للأعداء ولا يقل خطورة عنه أبداً... فكيف إذا سرق مما أوتمن عليه من أرزاق الثَّورة والناس والشُّهداء والمشردين؟!؟!
حسناً، وأعيد وأكرر إنَّ فضح هۤؤلاء ومحاسبتهم ضرورة لا معدى عنها ولا بديل، ولا يمكن أن تسير قافة الثَّورة علىٰ الطريق الصحيح ما لم يتم ليس فقط فضحهم بل ومحاسبتهم. وأكرر أيضاً أننا عندما كنا قبل أعوام ثلاث ننادي بفضح اللصوص ومحاسبتهم قبل أن يستفحل أمرهم كان يتنطع الكثيرون للقول: لسنا بحاجة للفتنة وشق الصف الآن... واليوم عند فضحهم يعود أولئك أنفسهم للدفاع عن اللصوص: لا يدافع عن اللص إلا لص مثله أو شريك أو متنفع من اللصوصية. من غير المعقول فهم دفاع عن لص أو مجرم أو خائن حَتَّىٰ ولو كان من أهله. الثَّورات يتبرأ الأب من ابنه إذا سرق أو غدر أو خان وأحياناً إذا قصر وما من واحد منا إلا ويعرف نماذج لآباء تبرؤوا من ابناء لهم لتقصير أو خيانتهم الثَّورة.
النماذج كثيرة لمن يسأل عن الأسماء. أقول بجرأة ومسؤولية أكثر من خمس وتسعين بالمئة من قيادات الثَّورية السياسية والعسكرية والإغاثية وغيرها يتوزعون ما بَيْنَ لصوص وخونة وعملاء ومتسلقين وبعضهم يجمع بَيْنَ صفتين أو أكثر. فلا تسألوا عن الأسماء. ومع ذۤلكَ سأقف عند أنموذجين  من الإئتلاف، ورئيس الحكومة.
طالعتنا مواقع عديدة علىٰ خبر يقول: رئيس بلدية برلين/ ألمانيا يبلغ وزير الخارجية الألماني اعتذاره عن رفض ٢٦ طلب لجوء/ إقامة في ألمانيا لرئيس الحكومة المؤقتة السورية وعائلته وأقاربه، مبرراً رفضه بالقول: «لا يشرّفني استضافة هٰذا الشخص الذي يرأس حكومة شعبه الثائر ويرى ما حصل في بلاده ولا يفكّر إلا في نفسه». ويقال إنَّ وزير الخارجية اضطر للالتماس لدى رئيس بلدية أخرى لقبوله.
يا رئيس الحكومة الانتقالية: إذا كنت تريد اللجوء إلى ألمانيا فأنت لا أمل لك بالنصر ولا إيمان لك بقضيتك فكيف تقبل علىٰ نفسك أن تبقى في هٰذا المنصب لولا أنك لص ووصولي وانتهازي ومتسلق وخائن ولا يجوز أن تؤتمن على أي شيء؟؟؟؟
رُبَّما يعترض معترض بكذب الخبر. جميل. ولم لا؟ المطلوب من رئيس الحكومة السيد أحمد طعمة أن يصدر بياناً يكذب فيه الخبر. ولا أحسبه يفعل.
بالمناسبة، هناك أخبار قد لا تكون صحيحةً شكلاً ولۤكنَّهَا صحيحة مضموناً، صحيحة في المبدأ.
الأنموذج الثاني هو الفضيحة التي تداولتها منذ أشهر كثير من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وأعادت نشرها صحيفة الديار اللبنانية أمس 21/8/2015م تحت عنوان: فضيحة مدوية تعلنها المعارضة السورية سهير الأتاسي. صحيح أن جريدة الديار موالية للنظام، ويمكن أن تفبرك وتكذب ولٰكنَّ هٰذا الكلام حقيقة لا غبار عليها. قد لا يكون الكلام بالحرف قد قيل أو صدر عن هٰذا أو ذاك ولٰكنَّ مضمونه صحيحٌ ولا ينتظر اعتراف سهير الأتاسي ولا غيرها. وفيه كلام من غير المعقول أن تقوله سهير الأتاسي عن نفسها. لا أعيد النص ولٰكن أذكر من خلاله حقائق تكرر ذكرها ونشرهاً مراراً منذ سنتين تقريباً علىٰ الأقل، منذ سنتين يتكرر نشر مثل هٰذه المعلومات:
ـ برهان غليون رئيس الإئتلاف لم يترشح لرئاسة الإئتلاف لأنه لم يستطع منع أعضاء الإئتلاف الوطني السوري المعارض من سرقة الأموال التي جاءت بعشرات ملايين الدولارات لا بل أكثر من ذۤلكَ بمئات ملايين الدولارات من أوروبا والسعودية وقطر والإمارات.
ـ كل أعضاء الإئتلاف أخذوا أموالاً من الدول الأوروبية والسعودية وقطر والإمارات ولم يصل شيءٌ منها للتنظيمات المعارضة بداخل سوريا ولا حَتَّىٰ إلىٰ اللاجئين السوريين ولا المشردين في الداخل.
ـ مئات ملايين الدولارات إن لم تكن مليارات هي التي وصلت إلىٰ الإئتلاف خاصة والمجلس الوطني قبله؛ الإئتلاف تنظيماً وأعضاءً، و في أحسن الظنون أهدرت هدراً بغباء التصرف والفذلكات والرحلات والأسفار والمؤتمرات.
ـ يؤكد هٰذه الحقيقة أنَّهُ في الشهر الأول الذي توقفت أو قلت فيه رواتب أعضاء الإئتلاف توقف الأعضاء عن الاجتماع، لأن كل رحلاتهم وإقاماتهم كانت بأبهظ الأثمان وعلىٰ حاسب دماء الشهداء.
ــ هناك وثائق تثبت ما قام به أعضاء الإئتلاف الوطني المعارض.
ـ لولا هدر مئات ملايين الدولارات في جيوب أعضاء الإئتلاف المعارض لكانت الثورة انتصرت علىٰ بشار الأسد.
ـ أعضاء الإئتلاف والمجلس الوطني يأخذون شقة كاملة بدلاً من غرفة وكانوا يدفعون في الليلة الواحدة 3 آلاف دولار.
ـ لم تصل الأموال إلى اللاجئين السوريين ولا إلىٰ التنظيمات المعارضة.
هٰذا الكلام صحيح بالنص والحرف. بل إن ما يتواتر من أخبار وتسريبات يفوق هٰذه الحقائق مرات ومرات، ولذۤلك أن تنشرها جريدة موالية للنظام أو أن ينشرها النظام ذاته لا يقلل من قيمتها ومصداقيتها.
كلام يجعلك في حيرة من أمرك لا تعرف بماذا تعلق علىٰ مثل هٰذا الكلام في مقال سيقرأه الناس قلوا أم كثروا.
هٰذا الكلام أكثره صحيح بالنص والحرف. بل إن ما يتواتر من أخبار وتسريبات يفوق هٰذه الحقائق مرات ومرات، ولذۤلك أن تنشرها جريدة موالية للنظام أو أن ينشرها النظام ذاته لا يقلل من قيمتها ومصداقيتها.
وفي الجانب الآخر من هٰذه الحقائق المؤلمة نجد أناساً سُلِّموا قيادات للثورة، وهم من الشخصيات المتميزة باسم الثَّورة، يقبضون آلاف الدولارات علىٰ  هٰذه المهمته القيادية، وتفاجئ بمصادفة سعيدة أنَّهُم يقضون دوامهم الثَّوري كاملاً وهم إما يلعبون لعبة المزرعة السعيدة، أو الشدة علىٰ اللاب توب، أو متابعة الكاميرة الخفية، أو الأفلام الحفية... وهيهات تجد منهم من يلعب الشطرنج، لأنَّ الشطرنج تحتاج إلىٰ شيء من التفكير والذكاء وهم من كليهما براء.
آلاف الأشخاص كانوا إذا عرضتهم في سوق النخاسة لا يشتريهم أحدهم بخمسين ليرة عندما كانت الخمسين ليرة أغلى من دولار، صاروا يملكون مئات آلاف الدولارات وملايين الدولارات... كلها من دماء الشهداء وأنات الجرحى وعذابات المعتقلين والمشردين.
لا يمكن أنت تنتصر الثَّورة في ظل هۤؤلاء الأشخاص، هم أنفسهم لا يريدون ولا يسمحون أن تنتصر الثَّورة لأنهم مطاردون من هاجس القصاص، إذا انتصرت الثَّورة لا يمكن أن يبقوا من دون حساب، ولذۤلك لا يريدون أن تنتصر الثَّورة، ولذۤلك تحولوا شاؤوا أم أبوا إلىٰ جنود للنِّظام علىٰ نحو مباشر صريح أو مبطن لاشعوري.
وللمرة الألف أكرر: كانت الثَّورة وما زالت وستظلُّ شرفاً ونبلاً وكرامة وعزة. المشكلة في اللصوص والخونة والعملاء والمرتزقة والمتسلقين الذين ركبوا الثَّورة وشوهوا صورتها.