الدكتور
عزت السيد أحمد
منذ
بداية الثورة قلت وكتبت ونشرت للتوثيق
إن
أمريكا هي من سيحمي بشار الأسد والدول العربية معها
لم
يصدق أحد أبداً وظلت الثورة ومحلليها وقوادها حتى الآن يناشدون أمريكا التدخل، وحتى
الآن يناشدون أمريكا المساعدة، وحتى الآن يترقبون أي تصريح أمريكا يزعم أنه يريد دعم
الثورة... ويهرعون لتقبيل الأيادي وشكر العم أوباما على فعل فعلٍ لن يفعله.
من
قبل أن تصرح أو حَتَّىٰ تلمح أمريكا أيَّ تلميح من هٰذا القبيل كنت أقرأه وأعرفه
وأعلنته ولم أخفه. المسألة ليست مسألة ولا براعة، المسألة مسألة معرفة وخبرة. ولٰكنَّ
التلميحات التي بدأت منذ أوائل عام 2013م تقريباً، والتصريحات التي لم تبتعد عنها
كثيراً كانت أوقع من المتوقع وأقذر من المحتمل عند من يقرأ ويجيد القراءة. ولا
أعود إلىٰ ما كتبت فيه الكثير الكثير.
أعود
فقط إلىٰ عنوان مقال نشرته منذ أكثر من سنتين بعنوان: جون كيري يضحي بالعلويين.
وكيري هو أمريكا. أمريكا تطمئن العلويين سرًّا تطميات كثيرة، وتعلن حمايتها
للعلويين علناً.
هٰذه
صورة الحدث لا مضمونه. مضمونه هو أن أمريكا تقود العلويين إلىٰ مجزرة كبرى ولا
تقوم بحمايتهم. لننظر في تصريح حواري غير بعيد علىٰ لسان الناطق الرسمي باسم وزارة
الخارجية الأمريكية جوش بيكر عندما سأله الإعلامي موسى العمر قائلاً:
ـ
تعلمون أن ضربات جوية مركزة على النظام بدمشق سيسقط بساعات
أجاب
جوش بيكر: نعم، ولٰكن ومن يحمي العلويين؟
هٰذا
الجواب هو ذاته جواب المسؤولين الأمريكيين الكثيرين في مختلف المستويات، بما يعني أنَّهُ
ليس اجتهاداً شخصيًّا، ولا ارتجالاً، ولا حَتَّىٰ خوفاً علىٰ العلويين. إنها سياسة
دولة معممة علىٰ مختلف المسؤولين.
صورة
الكلام توحي بأنَّ أمريكا تريد حماية العلويين، أمريكا لا تريد الاعتداء علىٰ العلويين.
جميل،
وجميل جدًّا.
وأضيف
هنا قول شاب علوي قرأته علىٰ صفحته وتداوله الكثيرون منذ أشهر قليلة قال فيه
مخاطباً العلويين: «إياكم أن تظنوا أن الجيش الحر عاجز عن اقتحام قراكم ومدنكم
وتدميرها. الذي يمنع الجيش الحر من الاقتراب منكم هو أمريكا وإسرائيل... لولا
أمريكا وإسرائيل لما بقيت قرية علوية إلا وهي تحت سيطرة المجموعات المسلحة».
علىٰ
أيِّ حال، كما تساءلت منذ سنتين تقريبا عندما صرَّح جون كيري التصريح ذاته، ألا
يعني ذۤلكَ أنَّ أمريكا تسمح للعلويين بقتل السوريين، ولنكن أكثر وضوحاً، ألا يعني
ذۤلكَ أن أمريكا لا ترى ما نعاً في أن يقوم العلويون الأقلية بقتل وتشريد السنة
الأكثرية؟!
كتبت
كثيراً في هٰذه الازدواجية تحديداً ولا أعود إليها، أكتفي فقط بما نحن فيه. ماذا
تعني هٰذه التناقضات الصارخة في هٰذه القضية؟
ألا
يعني ذۤلكَ أنَّ أمريكا تسترخص دماء السنة وتستبيها وترى قتل السنة حلالاً
وجائزاً؟ ومن ثمَّ فإنَّ أمريكا تجر نفسها إلىٰ مواجهة وتصعيد المواجهة مع الإسلام
أكثر وأكثر مما هي عليه أصلاً.
ألا
يعني ذۤلكَ أن أمريكا تريد أن تكافئ القاتل والجاني والمجرم وتمنع الاستداد منه
للضحايا؟ ومن ثمَّ فإنَّ أمريكا أيضاً تجر نفسها إلىٰ مواجهات إضافية ستبدأ ولن
تنتهي. وفي الوقت ذاته ستجر العلويين إلىٰ دوامة الانتقام.
ألا
يعني ذۤلكَ أنَّ ذۤلكَ سيولد ردة فعل ارتكاسية علىٰ قبول المسامحة عند السوريين
وخوض حرب أهلية لن يكون العلويون فيها الرابح أبداً ولو وقف معهم قوى الأرض كلها؟
علىٰ
نحو مماثل تماماً لما صرح به كيري وبيكر كان تصريج المؤرخ الإسرائيلي الفرنسي
ألكسندر أدلر عام 2012م إذا قال: «لا يمكن أن نسمح بحدوث مجزرة بحث العلويين ونحن
نتفرج».
السؤال
الفج الذي يفرض ذاته هنا: ما علاقة العلويين بإسرائيل وأمريكا حَتَّىٰ تتنطعان
للدفاع عنهم بهٰذه الطريقة وهٰذه الحماسة؟
وهل
حقًّا هي رغبة حقيقية في حماية العلويين؟ ولماذا؟ وممن تحميهم؟
أسأل
ممن تحميهم لأنَّ هٰذه التصريحات صدرت في وقت مبكر من الثورة، قبل تكون أي رد فعل
انتقامي، وقبل تكون جرائم النظام المنسوبة للعلويين بهٰذا الحجم الهائل. من أين
جاءوا بهٰذا التوقع الواهم بأن المسلمين سيرتكبون مجزرة بحق العلويين؟ هل هم سحرة؟
هل يعلمون الغيب؟ أم وراء الكمة ما وراءها؟
لاحظوا
جيِّداً أن التبكير بهٰذه التصريحات ليس مصادفة أبداً، إِنَّهُ تطمين العلويين
للاستمرار في الصمود ومواجهة الثورة ودعم النظام، أي من أجل استنزاف سوريا
وتدميرها وليس من أجل حماية العلويين. قد يكون هناك ما يدعو أمريكا للسعي لحماية
العلويين، ولٰكنَّ ممن تحميهم عندما لم يكن هناك أي توجه ضد العلويين بما هم
طائفة؟ وعندما لم يكن هنا أي تفكير انتقامي؟ أليس في ذۤلكَ ما يؤكد سوء النية المسبقة؟
ألم
يدفع العلويون نسبيًّا أكثر من المسلمين في هٰذه الثورة من الضحايا البشرية؟
إذن
ما معنى أن تحميهم من مذبحة وهي تقودهم إلىٰ الهلاك التدريجي؟! أليس في هٰذا وحده
ما يؤكد أن الرغبة الإسرائيلية الأمريكية هي مزيد من توريط العلويين في حرب لا
نهاية لها تنتهي بدفعهم الثمن الذي لا يجدي بعده أي عقوبة لهم؟!
العلويون
أدركوا هيه الحقيقة وبدأوا بالفرار من الجيش ومن اللجان الشعبية وحَتَّىٰ الهروب إلىٰ
أوروبا، ومن غير المفاجئ أن نسبة المهاجرين إلىٰ اوروبا في قوارب الموت باتت هي
الأكبر في السنة الأخيرة.
ولذۤلك
تعمل أمريكا علىٰ رفع وتيرة التطمينات وإرسال الرسائل السرية بضمان حمايتهم وتؤكد ذۤلكَ
أكثر ما تؤكده بلجم تشكيلات الثورة المسلحة عن التقدم إلىٰ الساحل أو أي قرية
علوية أو شيعية. ما من أحد منهم ومن غيرهم يجهل اليوم أنَّ ما يمنع تشكيلات الثورة
المسلحة عن الساحل هو أمريكا ذاتها وليس عن طريق وسطاء، وتستخدم كل أوراق الضغط
إيقاف أي معركة أو توجه إلىٰ الساحل، كما تفعل من نبل والزهراء في حلب المحاصرتين
منذ ثلاث سنوات، كلما أطلقوا عليها طلقة أوقفوا بعد يوم أو أقل... وهٰذا ما حدث مع
كفريا والفوعة في إدلب في معركة رفع الضغط عن الزبداني: ارتفع الضغط عن كفريا والفوعة
وبقي الضغط علىٰ الزبداني.
أمريكا
إسرائيل والدول العربية الشقيكة تريد أن لا تنتصر الثورة، تريد أن يستمر الصراع،
ولآ أعود إلىٰ الأسباب التي تكلمت فيها غير مرة في مواضع كثيرة سابقاً. بعضها يريد
جر سوريا إلىٰ حرب أهلية وبعضها لا يريد وبعضها حيران... ولٰكنَّ النتيجة واحدة علىٰ
الجميع وهي أنَّ غباء إدارة الصراع وغاياته التي لا يمكن أن تستقيم مع منطق منسجم
مع نفسه لك يكن ثَمَّة بُدَّ من وصول الأمور بطبيعة الحال إلىٰ التشنج الذي يجر إلىٰ
حرب أهلية سواء وقع التقسيم أم لم يقع. الحرب الأهلية نتيجة تقود إليها إدارة
الصراع السوري من قبل الفريق الصهيوعربيكاني. علىٰ الأقل من ناحية المناداة بحماية
العلويين، والتخويف من مجزرة بحق العلويين، والتهديدي بالتقسيم لحماية العلويين.
التقسيم
كتبت فيه غير مرة وأعود إليه في مقال مستقل. يبقى أمر حماية العلويين الذي يظهرة
الأمريكا والأعاريب علىٰ السطح بتهديدات وممارسات مختلفة.
ما
معنى حماية العلويين؟
ومن
قال بأن هناك من يريد أن يرتكب مجزرة بهم وقد شاهدنا كيف تعاملت معهم التشكيلات
الإسلامية وتشكيلات الجيش الحر عندما دخلت بهٰذه المناسبة أو تلك إلىٰ القرة
العلوية في فترات متفاونة. كل ما راينا يؤكد عدم وجود أي فكرة انتقامية علىٰ الرَّغْمِ
من كل ما رآه السوريون من اقتحامات الجيش للمدن والقرى السورية.
هل
يعني ذۤلكَ عدم معاقبة المجرمين مثلاً؟
أي
شرعة أو شريعة هٰذه؟
بل
إنَّ الطروحات التي تقدمها المجموعة
الصهيوعربيكانية تتجاوز ذۤلكَ إلىٰ تقاسم السلطة بطريقة تكافئ المجرمين علىٰ جرائمهم.
وهٰذا كله لن يؤدي إلا إلىٰ نتيجة واحد مهما تباينت صورها وهي تصعيد ردة الفعل لدى
السوريين تجاه أفعال انتقامية، ولا يمكن أن يجهل الفريق الصهيوعربيكاني هٰذه الحقيقة،
بما يعني أنَّهُ يريد أن يدفع إليها ويفعل لا يريد فقط. بما سيؤدي إلىٰ حرب أهلية
بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
تستطيع
قوى المافيا والمجتمع الدولي نفخ نار الحرب الأهلية، وتستطع إكثار الدعم بالسلاح
لفريق علىٰ حساب فريق. هٰذا صحيح. ولٰكن لا يمكن أبداً التحكم بالحرب الأهلية
العادية مهما كانت دائرتها ضيقة. يمكن التحكم إلىٰ حد ما بإقاعات حرب أهلية في أي
دولة صغيرة أو محدودة الامتداد العرقي أو الطائفي... ولا يكن لا يمكن أبداً ضبط إيقاع
حرب أهلية في بلد مثل سوريا له الامتدادات الطائفية والدينية والعرقية.
الحرب
الأهلية التي ستكون في سوريا إذا كانت لن تكون حرباً سوريًّةً أبداً ولا بحال من
الأحوال، ستكون المنطقة كلها وقوداً لها ومدداً، وسيكون العالم الإسلامي كله
مشتركاً فيها بكل تأكيد في مراحل متطورة.
يتوهم
الغرب أنَّهُ سيربح من حرب أهلية تأكل المسلمين. بالتأكيد إِنَّهُ يتوهم. لأنَّ
الحقيقة أن سيكون الخاسر الأكبر. ومن يتابع واقع اليوم يدرك معنى هٰذا الكلام
جيداً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق