الأربعاء، 12 فبراير 2014

هذا هو الغباء الذي لا علاج له

هذا هو الغباء الذي لا علاج له
يبدو للجميع أن روسيا تتقدم على الجبهة السياسية وتحقق انتصارات كبيرة على الأمريكان والغرب، وتفرض إرادتها وإيقاعها في الملف السوري
للتذكير فقط
نشرت هنا غير مرة منذ بداية الثورة أن الروس يمتازون دائماً بالاستثمار الغبي في السياسة... يتنطعون دائماً تنطع الثور للدفاع عن القطيع أما هجمة الأسود... ويبوء موقفهم بالخزي أخيراً دائماً.
الحقيقة التي يجب أن ندركها أن الروس عبر تاريخهم لا يتخذون في المواقف الحرجة إلا أغبى المواقف السياسية.
ولمن يحسب أن روسيا تحقق المكاسب وتتقدم وتفرض إرادتها وإيقاعها في الملف السوري نقول له هذا فيما يبدو صحيحاً، فيما يبدو وليس في الحقيقة. ولنسأل المعجبين بدهاء الروس في السياسة ما التقدم الذي تحققه روسيا في غير الملف السوري؟ أين الموقف الروسي الذي يستحق القول إنها قوية سياسيا في غير الملف السوري؟؟؟
فقط في الملف السوري تستعرض روسيا عضلاتها وفي الملف السوري فقط وفقط... وحتى في الملف السوري لا تحسبوا أن روسيا قادرة على الاعتراض على الغضب الأمريكي إذا وقع، تذكروا عندما صرخ أوباما بعد الكيماوي ووجه البوارج إلى الساحل السوري، حينها طأطأ لافروف وبوتين رأسيهما مثل (الأوادم) وقالوا «روسيا لن تخوض حرب مع أحد من أجل أي نظام بالعالم». وفي السياق ذاته أعلنت المحللة الروسية سوبولينا أكثر من مرة: لا تلقوا اللوم على الفيتو الروسي، لو أردات أمريكا التدخل لما أبهت بالمقيتو الروسي، عندها ألف طريقة للالتفاف على الفيتو الروسي...
هذه هي نقطة الفصل، وهذا هو مفتاح اللغز: أمريكا تريد الفيتو الروسي وترحب به لتختفي وراءه، وهي في الوقن ذاته تدفع الروس إلى المزيد من التورط في الملف السوري حتى لا يكون لهم أي وجود في المنطقة... نفسياً على أقل تقدير.

إنَّ ما يبدو ظاهرياً من تقدم للموقف والحضور الروسي على الساحة السياسية العالمية من خلال الملف السوري تحديداً ليس ناجماً هن قوة روسية وكفاءة سياسية روسية وإنما هو ناجم عن تراجع الفعل الأمريكي، والإحجام الأمريكي عن مما رسة أي دور إيجابي أو سلبي في الملف السوري. العجز الأمريكي عن القيام بأي دور جاد في الملف السوري لأسباب أمركية وإقليمية هوو الذي أفسح في  المجال لروسيا أن تلعب دوراً يبديها على أنها تستعيد إمبراطوريتها، بل إنَّ ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية كله يساعد روسيا على الانتفاخ في تعظيم حضورها في الملف السوري، فالولايات المتحدة تمنع الدول الإقليمية التي تريد أن تساعد الثورة السورية من القيام بأي فعل مؤثر في دعم الثورة السورية، وهذا ما يتيح لروسيا وإيران الظهور بمظهر القوي والفاعل والمؤثر في هذا الملف.
يعيدنا هذا إلى التوريط الأمريكي لروسيا تحديداً وربما لإيران في الملف السوري أكثر. ربما يكون ذلك عن دارية أمريكة وتخطيط أمريكي، وربما يكون وهذا هو الأغلب من عجز الإدارة الأمريكية وضعف أدائها وعدم رغبتها في التورط في الملف السورية لأسباب إقليمية وأمريكية كما أشرنا، ولكن في الحالين كليها روسيا موغلة في التورط في خسارة رصيدها.
الروس خسروا كل شيء في سوريا. مهما كانت نتائج الثورة السورية لم يعد لورسيا أي حضور في الذهنية السورية إلى قلة قليلة ستحقد عليهم عندما يتخلون عن النظام السوري مثلما تخلوا سابقاً عن مواقفهم بكل خزي وعار في اللحظة الأخيرة من القرار الأمريكي أو الدولي.
هذا هو دأب الروس في الغباء السياسي الذي يتكر كل مرة بالطريقة ذاتها وبالإخراج ذاته: يتورطون في الوقوف موقفاً معاكساً للتيار، ويركبون رأسهم حتى اللحظة الأخيرة، ويكابرون على قرارهم الخاطئ، ويرفضون التراجع حتى لا تنكسر كلمتهم، وأخيراً تنكسر رقبتهم، ثم يعودون للغباء ذاته في أول حدث كبير: كان أول ما نذكره لهم في تاريخنا وقوفهم إلى جانب محمد علي ضد التحالف الفرنسي البريطاني التركي، وعدوه ووقفوا معه حتى دمروه وانكسرت رقبتهم. مع عبد الناصر في عدوان حزيران تكرر الموقف ذاته، وقفوا معه، تعهدوا له، وعدوه، وصار العدوان وكانت النكسة العربية، والذل الروسي. ومع صدام حسين في حرب تحرير الكويت وفي عدوان الاحتلال تكررت القصة ذاتها: ضاعت العراق، وانكسرت رقبة الروس. ومع حليفتها الروح بالروح صربيا كانت القصة ذاته...
السياسة الروسية في المواقف الحرجة تشبه المقامر الخاسر دائماً؛ يخسر ويصر على التعويض ويخسر ويصر على التعويض، ويخسر ويصر على التعويض... يغريه في بعض الأحيان ما يحسبه تقدماً أو ربحا وهو فتات الإغراء. ألم تسمعوا عن حجشنة الدب الروسي عندما يهجم فيخرب الدنيا من أجل فراشة؟! هذا هو الدب الروسي.
قال أنشتين يوماً: الغباء هو أن تفعل الأمر ذاته مرتين بالطريقة ذاتها وتتوقع نتائج مختلفة... فكيف إذا فعلته مرات كثيرة بالطريقة وكل مرة تتوقع نتائج مختلفة؟ هذا هو الغباء الذي لا علاج له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق